رأي ومقالات

بعد (بركان) (البرهان): (أبناء العمومة الاسرائيليون) بين الرفض والقبول!!؟؟


الزلزال أو بالأصح البركان السياسى والفكرى الذى أحدثه الفريق أول رئيس مجلس السيادة السيد عبد الفتاح البرهان لا شك سيكون له ارتداداته في السودان بدأت ببيان مجلس الوزراء الذى صدر مؤخرا رافضا.

لأول مرة في السودان يتخطى السيد البرهان علنا حواجز سياسية وفكرية ونفسية بالتصرف والحديث علنا دون خشية من عواقب سياسية وقانونية عن ضرورة التعامل مع إسرائيل بل يقلبل رئيس وزرائها علنا وليس سرا كما حدث من زعامات ورؤساء ونافذين سودانيين كلما افتضح امرهم بانهم قابلوا او تعاملوا مع قيادات إسرائيلية أنكروا ذلك.. وما الانكار الذى أبداه نظام مايو في البداية حول تهريب الفلاشا لإسرائيل الا مثالا حتى اعلن الاسرئيليون ذلك أدى لسقوط النظام كما كان رد الفعل السودانى هو محاكمة وعقاب أحد المتورطين الأصليين اللواء عمر محمد الطيب وذلك في إشارة واضحة بان ما حدث حينها هو جريمة تستحق سجنه ونجى النميرى من العقاب لوجوده خارج البلاد، فقد كانت حينها (الشينة منكورة).

والسؤال لماذا حدث اليوم هذا التحول بانقسام المجتمع السودانى – وعلنا دون خشية من عقاب سياسى أو قانونى – حول تصرف السيد البرهان بلقاء ناتنياهو لعلنى في يوغندا ومناقشة مبدأ التطبيع مع دولة إسرائيل مستدركا في مؤتمره الصحفى بان باقى التفاصيل متروكة للجهاز التنفيذي حسب مايرى من فوائد او عيوب.

ما فعله البرهان كما قال وجهة نظره الشخصية من منطلق المصلحة العليا للبلاد لأمنه واستقراره وسلامته وحسن اقتصاده ومعيشة مواطنيه من منطلق مسئوليته السياسية والسيادية…بالنسبة لى من منطلق موضوعى لا اتشكك مطلقا في نواياه ووطنيته وعقيدته فقد بدأ لى الرجل صادقا في قناعاته ولكنى أخنلف معه في التحليل والحيثيات وربما النتائج الأمر الذى يدعوننى لأن أقدم له بعض النصائح منطلقا من تجربتى الأكاديمية وكما قلت للبرهان عقب مداخالتى أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ذلك اننى قليل الثقة في الحركة الصهيونية التي ظلت دوما متحالفة مع المستعمرين وخادمة لهم وانتجت دول دينية عنصرية متطرفة ارهابية واحتلالية ظالمة للفلسطينيين والعرب والمسلمين في أولى القبلتين ومحتلة لأراضيهم. .الاسرائيليين منذ فجر التاريخ مرورا بالبعثة النبوية وحتى قيام ولتهم عام 1948 وحتى اليوم لم نجد منهم غير الكيد والتآمر والتعسف.. أقول ذلك لأن بحثى لنيل دبلوم الدراسات الافريقية والآسيوية في الدفعة الأولى للمعهد عام 1973 ثم لنيل الماجستير كان عن السودان والقضية الفلسطينية حيث درست تطور الحركة الصهيونية حتى قيام دولتها مع تعلمى اللغة العبرية على يد الراحل د. إبراهيم الحردلو طيب الله ثراه كما كان د.يطرس بطرس غالى هو الممتحن الخارجي لى وكنت أخشى أن يسقطنى في البحث حين كتبت ان مصر الناصرية – عكس مصر السادات في حرب رمضان عام 1973- انهزمت في العدوان الثلاثى عام 1956 فأخذت إسرائيل ميناء أيلات لأول مرة فانفتح لها طريق البحر الأحمر الذى مكنها من كسر طوق العزلة نحو افريقيا والشرق الأقصى.. لكن الرجل العالم د. غالى كان منصفا فأعطانى اعلى الدرجات وكتب عن بحثى في مجلة الاهرام الاقتصادى معلقا.

سأحاول اليوم أن أكون منصفا حيث بدأ واضحا لى من نتائج تصرف السيد البرهان أن تحولا كبيرا في رؤى الشعب السودانى خاصة لدى الشباب قد حدث حيث انقسم الناس بين مؤيد لخطوته وبين معارضيه بل يكاد المؤيدين له هم الغالبية مشابها لتصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوربي ( البركست) ولست أدرى على وجه الدقة ماذا سيحدث غدا عندما يخوض الطرفان المؤيد والمعارض عمليا التجربة وتتضح الفوائد او العيوب؟ هذا يتوقف على الطريقة التي ستجرى بها الأمور وطبيعة العلاقات فان صدق الاسرائيليون فسوف يقبل المؤيدون بالتطبيع واذا مارسوا نفس ممارساتهم مع الفلسطينيون والعرب خاصة بعد خطة ترمب الظالمة فلن يندهش احد اذا تصرف السودانيون بردود فعل وصل درجة التعسف.. وهنا لا بد من رواية عن كيف نشأت الحركة السياسية اليهودية لحل ما اطلق عليه (المشكلة اليهودية في أوروبا) فكانت الحركة الصهيونية التي انتجت دولة إسرائيل.. هذا ما سأذكره اليوم من اجل توضيح الحقائق وهو ملخص يسير لبحثى..

المشكلة اليهودية التي انتجت الصهيونية

كان لاضطهاد المسيحيون الأوربيون لليهود سببه تعاملهم غير السوى خاصة ما اتسموا به من جشع وطمع والتعامل الربوى عكسته تلك الرواية الشهيرة للكاتب الانجليزى شكسبير ( تاجر البندقية الجشع شيلوك) فانقسم اليهود الأوربيون بين ثلاثة تيارات لحل المشكلة اليهودية احدهم يرى بأن الحل يكمن في الرجوع لدينهم وثقافتهم الأصلية والآخر الحل الاقتصادى على يد كارل ماركس بزوال الطبقات حيث كان ماركس من جذور يهودية.. اما الحل الثالث فهو الحل السياسى من خلال قيام الدولة القومية للهيود فكانت الحركة الصهيونية على بد مؤسستها ثيودور هيرزل الذى الف كتابا بذلك ( داغ يودن اشتات) باللغة الألمانية أي الدولة اليهودية.

حاول هيرزل اقناع الباب العالى في الدولة العثمانية الى كانت تسيطر على كل اامنطقة العربية والشام وفلسطين وعرض عليه الأموال لحاجته اليه لسداد ديونه الهائلة لأوروبا فرفض الخليفة العثمانى عبد الحميد عرضه وطرده قائلا لن أعطى هذا الكلب أرض العرب والمسلمين لأنها ليست ملكا لى.. كانت النتيجة أن تآمر يهود الدونمة على الدولة العثمانية حتى أسقطوها..

كان البديل للدولة اليهودية المقترحة هي الأرجنتين في أمريكا الجنوبية أو يوغندا في أفريقيا بعد فشل فلسطين. لكن تفتقت عبقرية الحركة الصهيونية فاستفادت من الهجمة الاستعمارية الأوروبية على الشرق الأوسط وأفريقيا فركزت على التحالف مع الحكومات الأوروبية ابان الحرب العالمية الأولى فدعمت بريطانيا في حربها ضد التحالف الألمانى – التركى فصدر بموجب ذلك وعد بلفور واستفادت من إدارة بريطانيا وفق اتفاقية (سايكس بيكو) بين بريطانيا وفرنسا فكان الانتداب البريطانى على أرض فلسطين الذى سمح للهجرة اليهودية لأرض فلسطين رغم الثورات العربية الكبرى فصارت الغلبة للتنظيمات الصهبونية الإرهابية الاحتلالية وبقية القصة معروفة.. نخلص من ذلك ان دولة إسرائيل هي ممثلة للاستعمار الغربى وكانت الحل المناسب للمشكلة اليهودية في أروبا التي كسبت بابعدهم نحو الشرق ثم جعلتهم وكيلا لها في العالم العربى خاصة والشرق الأوسط كامتداد جديد للمعسكر الغربى خاصة بعد أن دخلت امريكا في الخط عقب مؤتمر بلتيمور عام 1945 في أمريكا حيث رأت الحركة الصهيونية ان ميزان القوى الغربى بعد الحرب الكونية الثانية قد تحول الى أمريكا فتحالفت إسرائيل في الحرب الباردة مع أمريكا ضد الاتحاد السوفياتى وصارت اليوم بعد سقوطه رأس الرمح لأمريكا في المنطقة…

باختصار في ظل العجز الصراعات العربية و بروز المذهبية الإسلامية الضيقة بين سنة وشيعة وبسبب فشل الأنظمة العربية وتدهور دولها وشعوبها كنتيجة للأنظمة الديكتاتورية واتباع إسرائيل استراتيجية دعم الاقليات العرقية والتوترات فيمن حولها من دول حدث التصدع العربى والاسلامى أنتج هذا الإحباط واليأس وتحولا كبيرا في النفسيات والعقليات ودفع الناس لحلول جديدة تتجاوز المواجهة الى التطبيع وهذا ما بدأ يحدث واقعا.. وما السودان الا مثالا.. فماذا سيحدث؟

كلما أرجوه من أطراف الخلاف الرئيس البرهان ومجلس الوزراء وهناك قوى الحرية والتغيير وحتى القوى الأخرى ألا تقع فىى مستنقع الصراعات والفوضى وأن تعالج هذه القضية الخطيرة بالحكمة اللازمة والتعقل الذاتي والموضوعية ومصلحة الوطن والمواطن حتى لا يفرض علينا ما يضرنا.. وكما قلت للبرهان اختلاف اختلاف الراى لا يفسد للود قضبة فكلنا أبناء وطن واحد يبتغى مصلحة الوطن ودعونا من الاتهامات الباطلة التي كنا نرددها في الماضى كالعمالة وغير ذلك.

محجوب عروة