الشمالية.. قمح وذهب و(جنرال) !!
محظوظة هي الولاية الشمالية ، قيض الله لها والياً هماماً ومسؤولاً مختلفاً يعكف على شأن رعيته آناء الليل وأطراف النهار، يعي تماماً مثلما أبلغنا ثقل المسؤولية في ميزان حساب الآخرة ، يدرك أنه لو عثرت بغلة في (دلقو)، لكان مسؤولاً لماذا لم يسو لها الطريق ، سرني أن الأقدار تنصف هذه المرة أهلي الطيبين هناك بعد طول انتظار.
وضعنا أمام اللواء محمد محمد حسن الساعوري الوالي (الجنرال) هموم إنسان الولاية الذي ظلمته الحكومات المتعاقبة رغم أنه صاحب موارد وخيرات ظلت تطعم السودان قمحاً وفولاً وتمراً وتمني، وتدر على خزانته من ذهبها وخيرات أرضها الواعدة والمعطاءة.
دخلنا الولاية الشمالية متحفزين ومدججين بالاسئلة والاستفسارات، فقد ظل إنسانها مظلوماً منذ أن أطلق تغريدته الشهيرة (تلت للطير وتلت للاسبير وتلت للزبير والمزارع فاعل خير)، حملنا هموم إنسانها زراعته وخبزه أمنه ومعاشه، فخرجنا مطمئنين على أن شأن قومنا في يد حاكم لا يظلم عنده أحد ولا تفوت عليه شاردة ولا واردة بإمكانه تعزيز مداخيل الولاية وتوفير احتياجات إنسانها من الخبز والوقود والماء والدواء .
أفلت الرجل بمنطق وإقناع من الكمين الذي نصبه له الصحفيون في قاعة أمانة الحكومة ذات مساء شمالي بارد، ادفأته سخونة الاسئلة، ما بين محاكمات الأساتذة عثمان ميرغني واستفسارات مصطفى أبو العزائم واسئلة عاصم البلال وعبدالعظيم صالح وطارق شريف ومصعب محمود وياسر البشر ونجوى آدم عوض وغيرهم من الإعلاميين الذين امطروا الساعوري وأركان (سلمه) من أعضاء حكومة الولاية بالاسئلة الساخنة فخرجوا بإجابات نموذجية تصلح معياراً للتميز والتجويد في أداء والي الشمالية وحكومته خلال الفترة الماضية من عمر التغيير.
ليس بيني والرجل آصرة قربى ولا معرفة سابقة حتى أجامله أو أكتب عن صنيعه بمداد الإعجاب ، غير أن ما وجدته خلال يومين أمضيناهما في الولاية مرافقين للساعوري جعلني استشعر أن خيراً كبيراً سيجري من بين يديه على أهلي في الشمالية إن أطال الله بقاءه مع تصاعد الدعوة لتغيير الولاة العسكريين لا لشيء سوى أنه (عسكري) بعيداً عن تقييم أدائه وكسبه في مشوار الحكم.
لم أصدق أن عمر الوالي عشرة أشهر، الرجل (حافظ لوحو بالأرقام) وهو شعلة من النشاط والوطنية، وانتماؤه (للكاكي) جعله في حالة (استعداد دائم) لأداء أية مهمة فيها خير للناس، إحساسه بقيمة ما يحمله في كتفه من علامات شرف (الميري) ، وما يضعه في صدره من نياشين عظم في داخله أمانة التكليف، فالساعوري (عسكري قح) تزاحمت في مسيرته العلوم الاستراتيجية ، والهموم الأكاديمية، فأنتج كل هذا خليطاً ميزه إلى جانب عسكريته الصارمة كـ(سياسي محترف) وتنفيذي متقدم يرفع شعار (البيان بالعمل) واستراتيجي محترم لا يشق له غبار كيف لا وهو أستاذ لذات العلم في الجامعات.
أعجبني حرص حكومة الولاية الشمالية على الاهتمام المركز والمتساوي بين أضلاع مثلث أضلاعه (الزراعة والتعدين والسياحة) ، قدراتها الزراعية من حيث موقعها في الخارطة الإنتاجية كموطن للقمح والفول ومحاصيل نقدية أخرى (السمسم والقطن والتوابل والفول السوداني) يؤهلها للمراكز المتقدمة في استراتيجية الدولة الزراعية هذا ما عكف الساعوري على تطويره وتنميته، الوالي يشكو مر الشكوى من تبعات القرار (206) الذي منح إدارة السدود احتكار الأراضي في الولاية الشمالية وجعل يدها مغلولة في إدارة أراضيها، المركز مطالب بإنهاء هذه الهيمنة البغيضة التي تقف حاجزاً دون اشتعال الشمالية بالخيرات والمشروعات والاستثمار.
ولاية الساعوري تحتل المرتبة الثانية في إنتاج الذهب وتعمل فيها (33) شركة صاحبة امتياز تنتج عشرات الأطنان لكنه يتحدث عن عدم رضاء الأهالي من أدائها ومسؤوليتها الاجتماعية- لا بد من وضع خطين تحت هذا الحديث- .
أفضل ما في تجربة الساعوري في تقديري تركيزه على السياحة وإلمامه بتفاصيل لم يكن يهتم بها من سبقوه في الشمالية، الرجل يحدثنا عن ( 3000) موقع أثري مكتشف وهي مواقع ذات جدوى استثمارية عالية تحتاج إلى فكر مختلف يجعلها تعود بخير عميم على إنسان الشمالية والسودان. ليس غريباً على الوالي المنحدر من حضارة البركل أن يحدثنا عن مواقع مثل (الدفوفة، كرمة، الغابة الحجرية، دير الغزالي، جزر الكاسنجر) وغيرها بطموح وإلمام مطمئن على أن السياحة ستغرق الولاية بعائدات سخية في وقت قريب..
لحظة جلوسنا لتناول الإفطار مع الوالي كان حجم الرغيفة مطمئناً، قلت له إن العيش عندكم بـ(حالة صحية) جيدة، قال لي: هذا رغيف تجاري طرحته للمقتدرين وأصحاب المطاعم والمحال التجارية، اطمأننت منه أن الرغيف المدعوم يمضي لمستحقيه وفقاً لإجراءات حاسمة وناجزة وحقيقية استطاعت أن تتعامل مع الأزمة بما يلزم من تحوطات وقرارات.. هل تصدق عزيزي القارئ أن الشمالية تنتج القمح وتصدره للخرطوم حتى يعود إليها دقيقاً مرة أخرى، وهذه كلها تكلفة على المواطن علماً بأن الولاية بها مطاحن، الساعوري يستغيث هنا…
رغم الصفوف التي تركناها في الخرطوم وعدنا إليها إلا أن الوقود الزراعي متوفر للحصاد وهذا هو المهم فقد أمن الرجل (200) جالون جازولين لهذا الغرض، موقف الغاز مطمئن لا يوجد تسرب في المدارس والحمد لله ، وتظل أكبر قيمة حدثنا عنها الوالي هي الأمن المتوفر في الولاية ذات الامتدادات الحدودية والنشاط المكثف للتعدين عن الذهب.
وهكذا يمضي اللواء الساعوري بخطى راسخة تؤمن للناس احتياجاتهم من السلع الأساسية وتبرم للولاية الشمالية موعداً مع المجد والرفاه في مستقبلها القريب، أتمنى أن يستمر الساعوري والياً على الشمالية فقد استوعب تحدياتها وخبر مشكلاتها وصمم البرامج الكفيلة بتنميتها وهو فوق كل هذا حاكم أحبه الناس.
محمد عبدالقادر
اليوم التالي