عثمان ميرغني يكتب: عصاتا السودان!!
قبل ثلاثة أيام كنت ضيفاً على برنامج “بانوراما” بقناة العربية، محور النقاش حول التسوية بين الحكومة السودانية و أهالي ضحايا المدمرة الأمريكية “كول”، على 70 مليون دولار، 30 مليون لأهالي الموتى من الضحايا و 40 مليون لأهالي الجرحى.
في سياق الحوار رداً على أحد أسئلة الأستاذ طاهر بركة مقدم البرنامج قلت له، كما تستخدم أمريكا سياسة الجزرة و العصا مع السودان، الأجدر أيضاً بالسودان أن يستخدم سياسة الجزرة والعصا مع أمريكا.
و لأن هؤلاء الإعلاميين في مثل هذه الفضائيات الرفيعة لهم خبرة وقدرة عالية على التقاط الكرات من مختلف الزوايا بمهارة فائقة، فقد عاجلني طاهر بركة بسؤال مباغت قائلاً (وما هي العصا التي يملكها السودان في وجه أمريكا؟).
قلت له؛ نحن نملك القوة الجيوبوليتيكية، فموقعنا الجغرافي جعلنا أفضل مسار للهجرة غير الشرعية وتجارة البشر، و تهريب السلاح وكذلك المخدرات، وبالضرورة إذا تحول السودان إلى “دولة فاشلة” بفعل العقوبات الأمريكية وعزلته عن المجتمع الدولي فإن الشياطين التي ستجد في أرض السودان ملاذات آمنة كافية لتقلق مضاجع الحالمين بأوطان لا يدخلها الزوار إلا بتأشيرات دخول.
في أدبنا السياسي يستخدم القادة دائماً عبارة محفوظة (ليس لدينا عصا موسى)، في تبرير تأخر التغيير.. ورغم أنني كتبت قبل هذا وأكدت للسادة الساسة أننا نملك (عصا موسى) إلا أنني الآن أضيف إليها “عصا السودان” في الكفة المقابلة لـ”جزرة السودان”..
بالنسبة لعصا موسى؛ فالحقيقة أن سيدنا موسى كان رسولاً سياسياً، ابتعثه الله سبحانه وتعالى لمجابهة دكتاتورية فرعون، ورفض سيدنا موسى “التسوية السياسية” التي عرضها فرعون حينما قال له (ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين..) ويقصد فرعون أن يقول لسيدنا موسى إنك من أبناء البلاط الملكي فلا داعي للثورة الجماهيرية من أجل إنفاذ الإصلاحات التي تطالب بها، دعنا نصدرها بأوامر رئاسية “فرعونية”، وتأكد ذلك حينما انتصر موسى على السحرة فآمنوا به، إحتج فرعون قائلاً (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ..) أي قبل صدور المراسيم الرئاسية، لكن موسى استمر في مسار الثورة إلى أن أطاح بالفرعون، تماماً كما فعل الشعب السوداني الذي حاول فرعونه أن يثنيه عن ثورته بشتى سبل الترهيب والترغيب لكن الشعب – كما موسى –أطاح بالفرعون.. فالشعب السوداني هو “عصا موسى”.. ولسان حاله يقول (يا حمدوك “اضرب بعصاك البحر”)..
كل أنواع “العصا” هي في يد الشعب السوداني، لكن السؤال، كيف؟ كيف يمسك ويستخدم العصا؟
الخطوة الأولى، أن يقتنع أولو الأمر منّا أننا أقوياء، فالهزيمة النفسية تجعلنا دائما نفكر بمبدأ (الحد الأدنى).. والخطوة الثانية أن نعزز أدوار المؤسسات فوق الأشخاص، عندها سيكون لها مؤسسات معنية بتصميم “السياسة الخارجية” بما يحقق مصالحنا العليا. ثم الخطوة الثالثة أن نحول “الحلم السوداني” إلى خطة استراتيجية قومية تتفرع لخطط فرعية تصبح هي برنامج الحكومة – أية حكومة- التنفيذي.
نملك العصا، والعصا، لكن من يقنع الــــ Rooster !
عثمان ميرغي
صحيفة التيار