الألماني في الخرطوم
ربما كانت العلاقات السودانية الألمانية واحدة من أكثر العلاقات قابلية للتطوير على أساس المصالح مع الغرب بشكل عام، ومع أوروبا بشكل أكثر تحديداً. ليس لألمانيا تاريخ استعماري كبير مع أفريقيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تقاسمت القوى الاستعمارية الغربية الأخرى مستعمراتها في شرق وغرب القارة، وخلال أقل من قرن تم محو التراث الثقافي الألماني من القارة فيما عدا ناميبيا، الدولة الوحيدة التي ما زال عدد معتبر من سكانها يتحدثون الألمانية التي تعتبر ضمن اللغات المعترف بها في تلك الدولة حديثة الاستقلال نسبياً.
في فترة ما بعد الاستقلال، تطورت العلاقات السياسية بين السودان من جهة، وجمهوريتي ألمانيا الاتحادية (الغربية)، وألمانيا الديمقراطية (الشرقية) على مسارين متوازيين، ثم تواصلت بشكل متميز ومستقل بعد انهيار الكتلة الشرقية وجدار برلين وتوحيد ألمانيا الجديدة.
وبالرغم من ضعف العون الألماني للسودان مقارنة بذلك المقدم لدول أخرى، إلا أنه شكل علامات مهمة في مسار التنمية في السودان مثل تأسيس التلفزيون، والتدريب المستمر لقوات الشرطة منذ أوائل الستينيات بما في ذلك تأسيس وحدة (الكلاب البوليسية) وتأسيس شبكة للاتصالات الحكومية بين الخرطوم والأقاليم، إضافة إلى المساهمة في مشروع كهرباء مدينة بورتسودان، بالإضافة إلى دعم برامج تدريس اللغة الألمانية بالجامعات، وفرص التدريب والتبادل الثقافي المقدمة عبر معهد جوتة في الخرطوم.
وبعد تصاعد موجات الهجرة أضيف بعد محاربة الهجرة إلى مسار العلاقات، وتوفر ألمانيا منفردة وضمن منظومة الاتحاد الأوروبي بعض المساعدات للسودان، ولعدد من دول المنطقة لكبح تدفق المهاجرين الأفارقة إليها وإلى أوروبا عبر المتوسط.
كانت ألمانيا قريبة دائماً إلى ملفات الحرب والسلام في السودان ولعل العلامة المهمة في هذا الجانب هي احتضان مدينة فرانكفورت للمفاوضات السرية بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، وصدور ما عرف بإعلان فرانكفورت الذي تضمن التوافق للمرة الأولى في تاريخ السودان على قضية حق تقرير المصير وهو ما تم استخدامه بنجاح بعد سنوات.
كما يلفت النظر أيضاً الدعم الدبلوماسي واللوجستي الذي ظلت تقدمه ألمانيا لعدد من تنظيمات المعارضة وحركات التمرد العسكري المناهضة للحكومة السودانية، حيث ظل قادة الكثير من قادة الحركات المسلحة يقيمون لفترات غير متباعدة في المدن الألمانية ويعقدون فيها اجتماعات رسمية.
تأتي زيارة الرئيس الألماني فرانك فولتر شتاينمر إلى السودان وهي تحمل أجندة غير معلنة في الغالب لأن الرئيس وفقاً للدستور هناك يمثل الدولة ولا علاقة له بالعمل الحكومي اليومي، وبالتالي فإن تكليفه بزيارة السودان هو عمل له طبيعة شرفية، وهو في الغالب سيطلب بعض الأمور المحددة التي تهم بلاده من السلطات هنا دون أن يكون كلامه ملزماً لحكومة بلاده أو تمثيلاً لها وهو أمر متعارف عليه في الدبلوماسية الغربية.
ما يريده السودان من ألمانيا واضح ومعروف لدى الجميع، لكن ما تريده ألمانيا سيحتاج إلى قراءة لما بعد زيارة الرئيس الألماني، أما حديثه الذي سيقوله في العلن من أنه يجيء لمساعدة السودان في مرحلة الانتقال، وتأسيس الحكم الديمقراطي، وتعافي الاقتصاد فلا بأس به طبعاً أمام وسائل الإعلام لكن ليس داخل المكاتب واللقاءات الثنائية.
محمد عثمان ابراهيم
الصيحة