مقالات متنوعة

هل ينتهي عهد السؤال الحكومي عن المنطقة والقبيلة..؟


الصراع المُسلح في دارفور هو إحدى مظاهر غياب التوازن التفاعلي بين المركز والهامش
كاتب صحافي: أهالي دارفور يتخوفون النكوص من الاتفاقيات مثلما حدث في أبوجا والدوحة

الخرطوم: عبدالناصر الحاج

في غفلة من الزمان، تربص الحزب المحلول “المؤتمر الوطني” بحياة السودانيين، كان حزب “البائدون” مثل لص (الليل) يتسلل زحفاً على أمشاطه ، ليسرق من العباد كل ما يمتلكون، مقتنياتهم، أمنهم، إطمئنانهم، سعادتهم، حتى معنى العدالة والمساواة بينهم كآدميين لم تسلم من أياديه الآثمة، وما برحت الخرطوم وبقية كل مدن السودان في عهدهم، تباغت أبناء وبنات السودان بتلك الإستمارة اللعينة التي تحوي سؤالاً مستفزاً عن المنطقة والقبيلة، وبالطبع لم تكن ثقافة السؤال عن المنطقة والقبيلة في عهد الحزب المحلول، سوى إجراءات إحترازية غارقة في المكر، لتصنيف الحقوق بناءاً على الثقافة والعرق والمناطقية ومن ثم الولاء السياسي، ولما كانت دارفور هي إحدى مناطق السودان التي أراد لها الحزب المحلول البقاء في خانة المغضوب عليهم، كانت تلك الإستمارة تطارد أبناءهم لتقصيهم من حقوقهم كسودانيين في العمل والوظيفة والتمتع بـ(راتب) شهري من خزانة الدولة، دون أن يمر الفرد منه بالسير على (صراط) الولاء والتزكية الانتقائية، إلا أن قيادات مسار دارفور في منبر جوبا أرادوا أن يغلقوا منافذ هذا التشويه في الدولة السودانية وللأبد عبر اعتراف الحكومة بضرورة تخصيص نسبة 20% من الخدمة المدنية لأبناء دارفور.

ملف الخدمة المدنية
توصل وفد الحكومة الإنتقالية، ومسار دارفور بالجبهة الثورية بالعاصمة جوبا إلى اتفاق نهائي حول ملف الخدمة المدنية بالنسبة لأبناء دارفور واستيعابهم في كافة مؤسسات الدولة وفي مستوياتها المختلفة بتحديد نسبة ٢٠% لمقابلة استيعاب أبناء وبنات دارفور في الخدمة المدنية، وكان وفدا الحكومة برئاسة عضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد حسن التعايشي الناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي، وقادة مسار دارفور عقدا جلسة مفاوضات بفندق “بالم افريكا بجوبا”. وأوضح التعايشي في تصريح صحفي عقب الجلسة، أن الطرفين اتفقا على معالجة الخلل في الخدمة المدنية بالنسبة لمواطني دارفور، وأضاف: “لقد اتفقنا بشكل كامل على كيفية معالجة تمثيل مواطني دارفور في مؤسسات الخدمة المدنية بالدولة”. وأكد التعايشي أن الإتفاق تضمن إنشاء آليتين الأولى معنية بدراسة الخلل التاريخي لتمثيل سكان دارفور تعمل تحت المفوضية القومية لإصلاح الخدمة المدنية. وقال “لقد حددنا سقوفات زمنية محددة وأسس ومعايير لكي تتبعها هذه الالية تبنى على أساس التعداد السكاني والتمييز الايجابي والأهلية والكفاءة والتنافس الحر بين أبناء وبنات دارفور”. وأشار إلى أن هذه المعايير هي التي تم اعتمادها لمعالجة الخلل التاريخي في الخدمة المدنية في كافة مناطق السودان بحيث ترتكز الخدمة المدنية على الكفاءة والأهلية والقومية وعدم التمييز في عملية استيعاب أبناء الوطن في الوظائف الحكومية، وأبان التعايشي أن الآلية الثانية كُرست لمعالجة الخلل على المدي القصير ، وأشار إلى أنه تم الإتفاق من حيث المبدأ أن تكون معالجة الخلل والقصور في الخدمة المدنية من منطلق مبدأين الأول استراتيجي بإنشاء آلية مستقلة ذات كفاءة لدراسة أوجه الخلل، والثاني إنشاء آلية في المدى القريب تبحث مسألة التمييز الايجابي واستيعاب أبناء وبنات دارفور في مؤسسات الخدمة المدنية على المدى الزمني القصير، من جانبه أكد عضو وفد قيادات مسار دارفور أحمد تقد لسان، أن اللجنة التي كونها الطرفان الأسبوع الماضي لدراسة الجزئية المرتبطة بمسألة الخدمة المدنية عكفت على دراسة مواقف الطرفين، وتوصلت إلى تفاهم كامل حول مفهوم واستيعاب المواطنين في مؤسسات الخدمة المدنية وبالتحديد أبناء دارفور، وذلك عبر مرحلتين، الأولى تتم بقرار سياسي يقضي باستيعاب أبناء وبنات دارفور بنسبة “20%” في كافة مؤسسات الخدمة المدنية بالدولة ابتداءً من وكلاء الوزارات والمدراء العامين والسفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية وفي الإدارات المختلفة في المفوضيات والهيئات والشركات الحكومية بالإضافة إلى الوظائف الوسيطة، والمرحلة الثانية وهي مرحلة تحديد أوجه الخلل في الخدمة المدنية، ووصف تقد الإتفاق بأنه تفاهم إيجابي حول موضوع مهم للغاية ويمثل أحد أسباب النزاع الطويل في دارفور، وأشار إلى أن يُعد الإتفاق إنجازاً كبيراً ليس فقط لأهل دارفور وإنما يصب في مصلحة العملية السلمية برمتها، وقال تقد “إنه بالتوصل إلى هذا الإتفاق نكون قد أحرزنا تقدماً ملحوظاً في مسار التفاوض”.

مدخل لعلاج التشوهات
المحلل السياسي عبدالله آدم خاطر في إجابته على سؤال (الجريدة) حول ما إذا كان الاتفاق بين قيادات مسار دارفور والحكومة حول تخصيص 20% من الخدمة المدنية لأبناء دارفور، بأنه خطوة جدية في مخاطبة جذور الأزمة، أم أنها مجرد خطوة تصب في خانة المحاصصات التي يتخوف السودانيون منها، قال خاطر لابد من الإنتباه إلى أن مشكلة دارفور في الأساس تعتبر إحدى تجليات التهميش والمظالم الكبيرة التي ارتكبتها الحكومة المركزية في حق إنسان دارفور في عهد النظام البائد، ولذلك تأتي خطوة الاتفاق بين الحكومة ومسار دارفور حول ملف الخدمة المدنية انطلاقاً من ضرورة إعادة هيكلة الدولة السودانية على أسس العدالة وإزالة التشوهات التي أحدثها التهميش المتعمد لأبناء دارفور، وأضاف خاطر بأن خطورة الغياب في التمثيل لأبناء دارفور في الخدمة المدنية كانت إحدى مظاهره السالبة على الدولة السودانية هو استفحال النزاع المسلح في الإقليم للدرجة التي أوصلت القضية إلى منصات المجتمع الدولي بسبب لجوء الحكومة البائدة للإبادة الجماعية وجرائم الانتهاكات والحروب، مشيراً إلى أن الأوضاع لو كانت على طبيعتها وكان أبناء دارفور ممثلين بشكل عادل في مفاصل الدولة، لانتصر الكادر المدني من دارفور لصالح حل القضايا عن طريق الحوار، ولكن دارفور دارت في فلك المقاومة المسلحة انطلاقاً في البدء من الشعور بالمظالم والتهميش وخطاب الاستعلاء العرقي الذي غرقت فيه الحكومة السابقة، ولم يكن بمقدور أهالي دارفور اجترار أية مشاعر إيجابية في ظل الإقصاء الذي يتعرض له أبناؤهم غير اللجوء إلى المهاجر الاضطرارية أو مواصلة الكفاح المسلح لاسترداد كرامتهم، وأقر خاطر بأن الخطوة تعتبر انتصاراً جديداً يسجل في صحائف التغيير والتحول الذي فرضه واقع الثورة السودانية، وقال إن الخطوة هذه بمقدورها إعادة التوازن التفاعلي بين المركز ودارفور وترسيخ قيم التشاركية في صناعة القرارات المصيرية والمساهمة في إدارة التنوع الكبير الذي تُحظى به الدولة السودانية.

ترحاب ومخاوف
وجد الاتفاق على تخصيص نسبة الـ20% من الخدمة المدنية لأبناء دارفور، استحساناً وترحاباً واسعاً في إقليم دارفور بين الأهالي، أو هكذا وصف الصحافي المهتم بقضايا دارفور، حافظ المصري، عنوان الأصداء التي أعقبت خبر الاتفاق، المصري أكد بأن الخطوة تصب في خانة تصحيح مسار الدولة السودانية بهيكلتها القديمة وتوجيهها نحو مسار دولة المواطنة والحقوق، وقال إن الإحساس العام لدى أهالي دارفور طيلة سنوات النزاع والحروب في العهد البائد ولد شعوراً عظيماً بالغبن جراء تفشي ثقافة الإقصاء والتهميش والاستعلاء العرقي والثقافي التي مارستها سلطة المركز طيلة الحقبة البائدة، مشيراً إلى أن هذا الشعور العام كان هو النواة التي تخرجت منها الرغبة لحمل السلاح في دارفور لانتزاع الحقوق وإعادة رسم مفاهيم العدالة والمساواة، وأضاف المصري أن الخطوة على الرغم من أنها حُظيت بترحاب واسع وشعور إيجابي عند غالبية أهالي دارفور، إلا أن بعض المخاوف والهواجس لا زالت تمشي على ساقين في الإقليم، وأرجع المصري هذه المخاوف إلى تجربة الاتفاقيات السابقة التي تمت في أبوجا والدوحة والتي منحت أبناء دارفور نسب متفاوتة في شغل الوظائف في الدولة السودانية على كافة المستويات، وكانت النتيجة هي إرتداد ونكوص كبير من قبل السلطة التنفيذية آنذاك فيما يلي الالتزام بالاتفاق، فضلاً عن محاولات من قبل الحكومة السابقة لإضفاء ثقافة المحاصصات على صيغة الاتفاقات القديمة وهو ذات الأمر الذي انتهى بتلك الاتفاقيات إلى فشل كبير في مخاطبة جذور الأزمة. وأشار المصري إلى أن الاتفاق الراهن يحتاج إلى آلية تنفيذية ورقابية صارمة لانزاله على أرض الواقع عوضاً عن يكون قاصر على أوراق التفاوض التي تنهي النزاع ثم تقود إلى نكوص وإرتداد جديد.

رؤية أخرى
بالمقابل ارتفعت أصوات أخرى كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي أبدت تخوفاتها من أن يكون الاتفاق هو بمثابة فتح الأبواب لمحاصصات تتبارى عليها بقية الأقاليم تحت حجة التهميش والمظالم، وعلق كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي على اتفاق الحكومة ومسار دارفور على تخصيص نسبة الـ20% من وظائف الخدمة المدنية لأبناء دارفور، بأنه اتفاق تطغى عليه لغة المحاصصة المُعدلة بدلاً عن المباشرة في الإقرار بإيجاد نسبة تمثيل لمسار دارفور في الحكومة التنفيذية والمستويات السيادية الأخرى، وبرر كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي تخوفاتهم بأن كثيراً من أقاليم السودان، مثل الشرق وجبال النوبة والنيل الأزرق عانت من التهميش وطالها ذات الداء المتمثل في السؤال عن القبيلة والمنطقة شريطة الالتحاق بالوظيفة، إلا أن آخرين يرون أن الشرق وجبال النوبة والنيل الأزرق والشمال والوسط كلها حُظيت بمسارات في منبر جوبا لمحادثات السلام، وكان بإمكانهم طرح مواقفهم التفاوضية دون حجر، خصوصاً وأن منبر جوبا فرضية فتح كل هذه المسارات تمت في الأساس بحثاً عن مخاطبة جذور الأزمات والقضايا المطلبية في كل هذه المناطق.

ادم خاطر
الجريدة