مقالات متنوعة

ديسمبر ..الإنذار الثالث والأخير


لا يمكن الحديث أبدا عن إستكمال مهام ثورة ديسمبر المجيدة, وهي في الحقيقة المهام الغائبة للدولة السودانية منذ الإستقلال والتي بغيابها أهدرت النخب السودانية تطلعات وأحلام أجيال من الشعب السوداني منذ الاستقلال وضاعت بغيابها كريم الحياة ورغد العيش وسماحة المقام في بلدهم, وبدلا تقطعت بهم سبل الحياة فصاروا هائمين تائهين معذبين ونازحين لاجئين مشردين في كل اصقاع الدنيا بلا استثناء رغم الثروات المهولة التي تمتع بها بلادهم إستثناء.

إذا نحن أمام مهام عظيمة وجليلة يجب أن تنجز ليس كإستحقاق فقط لثورة ديسمبر بل كإستحاق لكل تلك السنين أهدرت والزاخرة بكل الويل والثبور, وإلا فإننا موعودون بذات المآسي مجددا جيل بعد جيل وريما أفظع كثيرا.

لا يمكن الحديث عن ذلك الإستكمال في وجود الوثيقة الدستورية كمرجعية أعلى للفترة الانتقالية, تلك الوثيقة التي تقف حجر عثرة كؤود أمام مبادئ إعلان الحرية والتغيير التي تمثل ألاساس المتين لمنصة تأسيس الدولة السودانية, هذه الوثيقة مشوه تماما حيث لا يجدي فتيلا ولا نفعا مع ترقيعها أوإصلاحها, وأى محاولات لتجميلها هو هدر في الزمن وصرف للطاقات في ما لا طائل منه, خاصة وأن الفترة الانتقالية محدودة جدا والمهام عظام.

حتى أن هذه التشوهات في هذه الوثيقة يصعب حصرها, فكلما ساعة يكتشف عموم الشعب السوداني بل والضالعون منهم في القانون ثقوب وعيوب جديدة فيها كانت خافية, ليس بسبب المكر والغدر الذي مورس في كواليس صياغتها والتوقيع عليها ولكن ايضا لشدة التشوه الذي عليها, ولا مبالغة في القول أن حتى الذين صاغوها يتفاجؤون أحيانا مثلنا بتلك المعاني والتفسيرات الخافية فيها.

وها نحن في ظل هذه الوثيقة, كم من المليونيات سنحتاج لنرد لرئيس الوزراء كامل سلطاته وكم من الزمن وكم من المليونيات سنحتاج لنصرف رئيس الوزراء ووزير ماليته عن اقتفاء أثر وصفات البنك الدولي وكم من المليونايت سنحتاج من أجل تكوين المجلس التشريعي وكم من المليونيات سنحتاج للقصاص للشهداء وكم من المليونيات والزمن سنحتاج لنرد للمفوضيات حيادها وكم من المليونيات والزمن سنحتاج لإكمال لإزالة التمكين ومحاسبة المفسدين وكم من المليونيات والزمن سنحتاج لإيقاف العبث الذي يجري فيما يسمى بمفاوضات السلام ومساراتها, ثم كم من الزمن ومن المليونيات سنحتاج لما قد يظهر من عيوب وثقوب لاحقا في تلك الوثيقة وكم غيرهم سنحتاج لنصحح بها تجاوزات البرهان وترهاته؟؟؟! ثم وهل تتسع الفترة الانتقالية لكل هذا, هكذا وضع سيقود حتما الي الوصول الي نهاية الفترة الانتقالية وأي من تلك المهام لم تنجز كما ينبغي أو ربما دون أن تنجز كلية, حينها سيتآمر علينا العسكروقوى تلك الوثيقة – قوى الهبوط الناعم – في الانتخابات مجددا ليرثوا حكم السودان إجحافا قبل ارثاء دعائم حكم ديمقراطي مدنى حقيقي بدستور دائم يعبر عن كل السودانيين فنعود مجددا الي نفس الاوضاع التي قامت من اجلها ثلاثة ثورات عظام, ثورات اكتوبر وابريل وديسمبر.

هكذا أوضاع لايمكن إختزال حلولها في تعيين المجلس التشريعي او تعيين الولاة أوبمؤتمر تلتزم فيه مجددا ذات أحزاب الهبوط الناعم التي توآطأت وغدرت بالشعب السوداني وثورته وبإعلان الحرية والتغيير, ما الضامن ان لا تعيد تلك الاحزاب نفس افعالها مجددا ؟ فهل صدرت تلك الأخطاء في الوثيقة الدستورية عن حسن نية أو سهوا حتى نتواثق مع تلك الاحزاب مجددا تحت مسمى أوسع جبهة, أمأ أن تلك الأخطاء صدرت تعبيرا عن تقاطاعات مصالح طائفية حزبية فئوية شخصية مع مصالح غالبية الشعب السوداني ؟ !, نعم لاوسع جبهة لإسقاط النظام لأنها شرط لازم لتغيير موازين القوى ولكن فلتكن الجبهة ممن هم خلص للثورة بمعناها الحقيثي وليس مجرد التغيير الفوقي, لقد تم سرقة هذه الثورة منذ اليوم الذي وسمت كلمة التغيير منوفستها فسمئ بإعلان الحرية والتغيير, وكلمة التغيير كانت هي المصطلح المقابل لمشروع إسقاط النظام, فحينما كانت تختم الاحزاب الثورية بياناتها بالدعوة لاسقاط النظام, كانت تختم أحزاب نداء السودان بياناتها بالدعوة للتغيير وهو ما كان يعني الحوار ومشاركة الانقاذ الانتخابات وما الخ.

ثم هب أن المجلس التشريعي قد تكون, اولن تصطدم قرارته بالمجلس السيادي طالما تلك القرارت لن تعبر عنه, هل حينها سندعو لمليونيات جديدة لانفاذ هذا القرار او ذاك, وهب أن وزارة الدفاع آلت لرئيس الوزراء, فمن الذي سيصبح الآمر الناهي في القوات المسلحة وزير الدفاع أم رئيس الدفاع والامن الذي هو رئيس مجلس السيادة والقائد الاعلى للقوات المسلحة, ثم هب أن الحزب الفلاني فاز في الانتخابات, فمن يضمن أن يسلمه البرهان او المجلس العسكري او حميدتي أمر الجيش السوداني دون إشتراطات جديدة ؟! إن الاسئلة كثير’ ولا أجوبة موثوثة حيالها, فهل نترك تلك المهام الجسيمة ونتائجها للمصير المجهول ؟!

إن الذي يصنع الفارق هي القوة, والقوة التي بين يدى برهان وحميدتي وحلفائهما لا يمكن مجاباهتها إلا بثورة شاملة وليس بقرارات وتوصيات في دفاتر المجلس التشريعي أو أماني وزراء الحكومة, فكل ذلك لا يغني شئيا أمام صلف المتمترس خلف الجيوش, وأي فعل غير التحضير لثورة شعبية تصحيحية تقودها القوى الثورية هي حرث في بحر عميق.

ولا أدري لماذا الحرص على حكومة حمدوك وعلى هذا الوضع, أولم نثر أصلا على هذا الوضع وعلى سياسات حكومة حمدوك, لا يمكن أن يكون التبرير لذلك الحرص هو الحفاظ على ما تحقق من مكاسب, أي مكاسب هذه يا هولاء, وهل يعد ذهاب زمرة من رجال الانقاذ للسجن وبقاء السودان على ذات النهج والمنهج وبعض فضاءات الحرية التي تنكمش كلما يوم مكسب ؟!

كل الذي يحتاجه الشعب السوداني الآن شطب كلمة تغيير من اسم الإعلان وتعديل البند الأول فيه ليصبح بدلا من إسقاط البشير ونظامه ليكون إسقاط الجنة الامنية ونظامها, ثم الخروج للشارع في ميقاتا كان معلوما.

تحاول جاهدا بعض الأحزاب أن تبقى السودان على ذات النهج بعد الاستقلال دون أن يكتمل أستقلاله بالاستقلال الأقتصادي, ولو كان ثمن بقاء ذات الاوضاع هو السيادة الوطنية نفسها, وها هو الشعب السوداني ينتفض على سياستها للمرة الثالثة حتى أدرك وعيا كاملا أين مصدر علاته, لقد واجههم ثوار ديسمبر مرارا وتكرار حتى يدركوا أن الشعب السوداني يعلمهم ويعلم كذبهم , فاحذروا فإن ديسمبر هي الإنذار الثالث والاخير, ولا عذر لمن أنذر ثلاثا.

مختار محمد مختار

الراكوبة