مأساة العالقين
مأساة السودانيين العالقين في معابر الحدود المصرية دخلت يومها الثامن تقريبا بعد أن أغلقت الحكومة الانتقالية المعابر الحدودية مع عدد من الدول الموبؤة بفايروس كوفيد 19 القاتل.
راسلني أحد الأصدقاء المقيمين بمصر بهذا الخصوص كثيرا وكنت أطالع الأخبار وأستمع لبعض المسؤولين بأن ترتيبات العالقين شبه مكتملة بإبقائهم في القاهرة لحين إستقرار الوضع الصحي بالبلاد.
وتابعت أيضا التصرف غير الحكيم من الحكومة ومن بعض السودانيين العالقين قبل أكثر من إسبوع وهم يجبرون سائق البص على إنزالهم في الشارع العام بحجة الجوع والعطش وفشل الحكومة في توفير أي خدمات لهم ، وهروب البعض منهم داخل الأحياء وجزء كبير منهم شاهده المارة بشارع الستين بالخرطوم وغيرها من شوارع العاصمة، الأمر الذي أدخل الرعب في نفوس المواطنين وتخوفهم من أن يكون هؤلاء المسافرين حاملين للفايروس اللعين. وهذا في رأيي قمة الاستهتار والأنانية، إذ كان بإمكانهم التوجه ببصاتهم إلى مباني مجلس الوزراء أو أي جهة حكومية والاعتصام أمامها لحين معالجة أوضاعهم والتي لن تأخذ وقت طويل بطبيعة الحال.
ومن وجهة نظري أن تصرف الحكومة غير سليم لأنها لم تعلن مبكرا موعد قفل المعابر الجوية والبرية منذ بداية إعلان حالة الطوارئ، ما اربك القادمين من مصر تحديدا وفيهم المريض وكبير السن والأطفال، ومنهم من لا يملك جنيها واحدا في جيبه. ولأنها لم تقوم بواجبها تجاه وضعهم في المحاجر المخصصة لحين إنتهاء عمليات الكشف الطبي وظهور النتيجة، ليخرج منهم السليم إلى منزله، ويبقى المصاب إن وجد داخل المحجر منعا لأي إنتشار محتمل للمرض.
ماحدث هو ضعف واضح من الجهات المسؤولة تجاه تقدير هذه الحالة الاستثنائية، إذ كان بإمكانها بعد أن أغلقت المعابر بشكل مفاجئ أن ترتب مع الحكومة المصرية أوضاعهم بمصر من مسكن ومأكل وعلاج للمرضى، وهذا ليس بالأمر العسير، خاصة وأن العلاقات الديبلوماسية في أفضل حالاتها مع مصر.
وايضا تصرف غير مسؤول ولا حكيم من بعض المسافرين الذين رفضوا مقترحات حلول الحكومة التي جاءت متأخرة بضرورة بقائهم داخل الأراضي المصرية منعا لأي إشكاليات صحية ممكنة، و(ركوب الراس) من البعض منهم من وجهة نظري غير مبرر في هذا التوقيت وثمنه سيكون غاليا جدا للجانبين، لذا كنت أتوقع أن يستجيب المسافرين لصوت العقل بدلا عن البهدلة ومضاعفة المعاناة للمرضى وصغار السن من جوع ومرض.
نفر من السودانيين المخلصين بمصر سعوا لعمل ترتيبات مع السفارة هناك، إلا أن الوضع ظل مرتبكا وضبابيا بكل أسف، وحسبما شاهدت من فيديوهات الإستغاثة للعالقين فإن تحرك البعثة الديبلوماسية السودانية هناك جاء متأخرا جدا، ورتيب وبطئ، وحتى يوم أمس ظل جزء كبير منهم بالمعابر متوسدين الأرض في الصحراء متحملين سخونة الأجواء نهارا وبرودة الطقس ليلا، بينما البعض الآخر عاد للقاهرة وتجمهر أمام السفارة، فكان قرار السفارة بأنها عاجزة عن تسكينهم وعدم تحملها للمسؤولية الأمنية تجاه كل هذا العدد والتزمت فقط بمنحهم 1000 جنيه مصري ليدبروا أمر سكنهم وإعاشتهم، وتنافص المبلغ حتى وصل ل 300 جنيه ، قبل أن يقررالسفير أخيرا التصديق بتسكينهم بعد تدخل بعض الجهات مثل شركة (أم تي أن) للإتصالات بحسب لجنة مكونة متطوعة من بعض السودانيين المقيمين بمصر، والتي إلتزمت بتحويل مبلغ 100 الف دولار بجانب بعض الخيرين السودانيين بمصر.
هذه المأساة وضعت حكومة الفترة الإنتقالية في محك، في ظل الظروف القاسية التي تعيشها والتركة المثقلة التي ورثتها من النظام البائد، لذا الأمر يتطلب معالجات فورية وجذرية وحاسمة، ووضع قيود مالية صارمة في المبالغ المخصصة لهذه الأزمة منعا لأي تلاعب محتمل، كما وصل إلى أسماعنا من بعض السودانيين هناك بأن بعض الجهات والأفراد قد بدأوا الاستثمار في هذه الأزمة وتحويل الأموال المخصصة للعالقين لصالحهم.
هنادي الصديق
الجريدة