هل يحتوى دم السودانيين والأفارقة على ترياق لكورونا؟!
هنالك مقطع صوتي واسع التداول والانتظار خلاصته ان دم السودانيين والافارقة يحتوي على الترياق اللازم لشفاء الكورونا.
هذا المنشور تفنيد لما ذكر في المقطع الصوتي لكن اولا الرجاء الحذر من هكذا احاديث. والرجاء اتباع الإرشادات الصحية التي لايوجد غيرها حتى الآن كخط دفاع حقيقي عن المرض.
فكل ماقاله صاحب التسجيل الذى يبدو أنه طبيب هو افتراضات بناها على افتراضات سمعها من اخرين.
ولكن علميا لا يمكن الأخذ بحديثه بل هو مجرد لغو رغم محاولة الباسه الصبغة العلمية.
. وبالتأكيد ان لهذا الحديث مردود مضلل وخطير إذ سيدفع بعض الناس الي الإهمال التام للإجراءات الصحية بحجة انهم محصنين بل ويحملون في دمهم الترياق لفيروس الكورونا. والمخاطر لن تكون مقصورة على من يصدقون روايته فقط، بل حتى عل مخالطيهم ومخالطي مخالطيهم الخ سلسلة الانتشار.
نأتي لتقييم الحديث.
اولا كطبيب قدم تشخيصا لحالة ابنه الذي اصيب بنزلة برد على انها إصابة بفيروس الكورونا.. وكذلك جزم ان نزلات البرد فى السودان في هذا الموسم هي حالات اخري للاصابة بالكورونا ، ورغم انو لم يري هؤلاء المرضى لكنه أكد وجزم انهم مرضى بالكورونا الموجودة في السودان قبل اشهر..!! وبني تصوره هذا على الصداع الشديد الذى عانى منه ابنه.
و على معرفته البيع المكثف لادوية النزلات الشتوية من الصيدلات وهذاأغرب استدلال طبي في التشخيص !!
فحتى اليوم الطريقة الوحيدة المتاحة والمتعارف عليها لتشخيص الاصابة بفيروس كورونا هو اخذ مسحة من خلال الانف او الفم للبلعوم واثبات وجود فيروس الكورونا الجديد فى العينة عن طريق فحص ال PCR ، ودون هذاالفحص لا يمكن لأي طبيب في العالم ان يجزم بتشخيص الحالة التي بين يديه بانها حالة للاصابة بفيروس الكورونا.،حتى وان تطابقت اعراضها مع اعراض الاصابة بفيروس الكورونا فاقصي ما يمكن أن يقال في هذه الحالة بأنها حالة اشتباه للاصابة بفيروس الكورونا .
ثم اكد وجزم ان التطعيم بلقاح ال BCG (التطعيم ضد الدرن ) يمنح متعاطيه مناعة ضد فيروس الكورونا وذهب الى ابعد ذلك بانهم لديهم العلاج ويقصد هنا الاجسام المضادة فى بلازما دمائهم ويلوم اقرانه على تاخرهم فى تقديمه للعالم !!! والضمير في دمائهم يرجع للأفارقة والسودانيون بشكل خاص.، وهذا حديث لايختلف كثيرا عن نداءات الباعة فى سوق العطارة والاعشاب في تسويق بعض الاعشاب التي تصلح لعلاج كل الامراض.
الحقيقة هنا ان المتحدث التقط جدلا يدور حاليا بين علماء الطب حول ملاحظات قديمة وبعض الدراسات التى تربط بين التطعيم بلقاح الدرن المذكور والانخفاض في معدل الاصابة بفيروسات الجهاز التنفس الموسمية، وسبب تجدد النقاش حاليا وربطه بفيروس الكورونا هو ان العلماء لاحظوا انخفاضا كبيرا فى معدلات انتشار الفيروس فى الدول التى درجت على تطعيم مواطنيها بلقاح الدرن، منذ فترات طويلة كالهند واليابان اللتين شرعتا في تطعيم مواطنيها منذ الخمسينات .. مقابل الدول التى لم تستعمل التطعيم (تم الاستدلال بشكل خاص بايطاليا صاحبة اعلى نسبة موت لمصابى الكورنا التي لم تستعمل مطلقا التطعيم ضد السل ). وبالطبع الحديث عن وجود تقاطع مناعى بين الكورونا و لقاح ال BCG يظل افتراضا علميا ورغم وجاهته الا انه يحتاج للتاكيد العلمى القاطع بالتجارب والدراسات الموثوقة المحكمة من قبل جهات تتمتع بالمصداقية الأكاديمية والعلمية ..وهذا ما بالضبط ما بدا في استراليا يوم الاثنين الماضى فى مدينة ملبورن حيث تجرى دراسة لاختبار فعالية لقاح ال BCG ضد فيروس الكورونا على الالاف من الاطباءوالطبيبات والممرضين والممرضات والكوادر العاملة فى المجال الصحى حيث تم حقن مجموعة منهم باللقاح ومن ثم ستجري دراسة ومقارنة مناعتهم ضد فيروس الكورونا مع المجموعة الاخرى التى منحت لقاحا زائفا ..اذن بالمطلق لا تاكيد حتى الان على فعالية لقاح الدرن ضد فيروس الكورونا فالدراسات وحدها من يؤكد او ينفى هذه المعلومة وحتى ان اكدت الدراسة الاسترالية فعالية اللقاح في الحماية من الكورونا ، فتاكيد النتائج بشكل نهائى سيتطلب إجراء دراسات أخرى فى العديد من الدول حول العالم .
صاحب التسجيل تجاوز كل هذه الخطوات العلمية اللازمة لتأكيد قوله وقدم الافتراض كحقيقة مطلقة الثبوت .
. وبشكل عام.. الحديث عن كثرة وتنوع الانتجينات من جراثيم الاوبئة التي يتعرض لها الجهاز المناعي للافريقي والذى وصفه بانه clever hyper immune system وقادر على التصدي لكل الفيروسات. ليس حديثا دقيقا وغير صحيح بالمرة وتكذبه الوقائع المعاشة فالأمراض من كل الأشكال والألوان لا زالت تفتك بالافارقة كالملاريا الدسنتاريا الايدز الايبولا الحمى الصفراء وحمى الضنك والكنكشة
وفي السودان مثلا تفشت حمى الضنك وحمى الكنكشة وهى أمراض تسببها فيروسات تفشت بشكل وبائي فى مدينة كسلا حيث اصيب بيها عدد كبير من سكانها قبل سنتين.. وكسلا لمن لا يعرفونها هي إحدى البؤر التي تستوطنها الملاريا منذ الثمانينات ، إضافة إلى ذلك فان كل سكانها تلقو التطعيم ضد الدرن باللقاح المذكور سابقا هنا.. كما أن الكلوروكين موجود بكثرة ومتاح للجميع دون وصفة طبية، لكن هذه “المظلة المناعة المزعومة ” حسب زعم التسجيل لم تشكل لهم أي حماية من الاصابة بإعداد ضخمة بحمى الضنك والكنكشة عندما تفشتا في المدينه.
إضافة لكل ماقيل أعلاه فان ، الأخ المتحدث لايملك معملا للبحث العلمي ، و لايملك التقنيات المطلوبة للحصول على الاجسام المضادة الموجودة في البلازما. وليس لديه مرضى للكورونا ليأخذ عينات من دمهم ويدرس فيها مدى تأثير التطعيم للسل والاصابة بالملاريا وامراض أفريقيا الاخري على مقاومة الفيروس داخل جسم الإنسان .ورغم ذلك يجزم بأن علاج الكورونا موجود في بلازما الدم الافريقي. وهذا حديت لايمكن وصفه الا بأنه مفارق للعلم والمنطق.
بالتاكيد ان مناعة الأفارقة فى المناطق التي تتعرض لاوبئة هى أقوى من مناعة الاوربيين المقيمون في أوروبا والذين لو تعرضو لنفس الاوبئة وتواجدوا فى نفس البيئة تحت نفس المؤثرات الاخري من تغذية وطبيعة انشطة وحياة . سيكون لديهم ردة فعل مناعي مختلفة عن الافريقي المستوطن في هذه البيئة .
نقطة أخرى الكلام عن الربط بين حدوث طفرة في الفيروس ودخول شبكات الجيل الخامس هو حديث تم ترويجه في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع ولم يرق بعد لمستوى الافتراض العلمى . وحتى ان كان افتراضا مقبولا فاثباته يحتاج لعشرات السنين من البحث، والدراسات وطرحه بهذا الشكل وفي هذا التوقيت من قبل صاحب التسجيل يعكس تماما درجة تمسكه بالمنهج العلمي !
اخيرا الحقيقة المريرة فى هذا التسجيل الطويل ان كل علاقة المتحدث بالكورونا كطبيب هي ملاحظاته حول اصابة ابنه بنزلة برد وصداع شديد.. ومعلوماته عن ارتفاع كبير في مبيعات الصيدلات لادوية البرد وبعض المعلومات “الملفوحة” من الاسفير.. وربما معاينة بعض مرضى نزلات البرد القادمين من الخارج قبل ثبوت انتشار الكورونا.
د. يوسف حسين
الراكوبة