الكفاءات وين يا حمدوك..؟
* نشرتُ أمس جزءا من قانون منظمة الدعوة الإسلامية لعام 1990م الذي يمنح قدراً هائلاً من السلطات والحصانات والامتيازات للمنظمة لم تكن تتمتع بها حتى حكومة السودان أو أية جهة أخرى، وليس ذلك بغريب، فالكل يعرف انتماء المنظمة والدور الكبير الذى لعبته وعدد من قياداتها وموظفيها في التآمر على النظام الشرعي والانقلاب عليه وتقويض الدستور في يونيو 1989م وتمكين نظام الكيزان من الاستيلاء على الحكم، وذلك بتسخير مكاتبها وإمكانياتها لاجتماعات المتآمرين قبل وبعد الانقلاب، وتسجيل بيانهم الأول الذى أعلنوا من خلاله الاستيلاء على السلطة على لسان القائد العسكري للانقلاب العميد (وقتذاك) عمر أحمد حسن البشير !
* في حديث لمجلة الوطن العربي بتاريخ 28 يوليو 1989م، ذكر عمر البشير ان خطة الانقلاب كانت جاهزة، وحتى البيان الاول كان جاهزا ومسجلا بصوته وصورته على شريط فيديو قبل شهر من استلامهم للسلطة في 30 يونيو، 1989م”.
يقول (حيدر طه) مؤلف كتاب (الأخوان والعسكر) الذي صدر في عام 2005م : “من البديهى أن يلح على الجميع سؤال مشروع هو: أين تم تسجيل البيان الاول، وأين تم حفظه لمدة شهر كامل وهو دليل ادانة قوى إذا ما تم ضبطه بواسطة أجهزة الامن أو الاستخبارات العسكرية قبل الانقلاب؟”
* وتأتي الإجابة: “الحقيقة الاولى تقول ان البيان الاول تم تسجيله على شريط من نوع ( يوميتك 4/3 بوصة صغير، والحقيقة الثانية تقول ان هناك ثلاث جهات فقط في السودان كانت تملك كاميرات فيديو من نوع يوميتك ــ Umatic ( التي تُستخدم في نظام التشغيل الألماني المعروف باسم بال )
* الجهات الثلاثة هي: تلفزيون السودان، وهى جهة رسمية وقومية، ومعتمدية العاصمة القومية وهي جهة رسمية، أما الثالثة فهي منظمة الدعوة الاسلامية، بينما لم يكن الجيش يمتلك مثل هذا النوع من الكاميرات، وانه كان يستعمل أشرطة فيديو من (نوع هوم سيستم)، وحينما كان يرسل بعض المواد لعرضها في التلفزيون، فان الفنيين كانوا يقومون بنقلها على اشرطة يوميتك المستخدمة في التلفزيون.
* وحتى إذا افترض البعض أن الجيش كان يملك مثل هذه الكاميرات، فلا يمكن أن يتصور أحد أن الانقلابين سوف تحملهم الشجاعة على تجاوز أهم عنصر في الانقلاب وهو السرية لتسجيل البيان الاول للانقلاب داخل أحد مكاتب القوات المسلحة، خصوصا وان عملية التسجيل تحتاج الى خبرة واخراج فني ..إلخ، كما تتطلب أن يكون قائد الانقلاب متحلياً بهدوء وثبات واطمئنان متوفر على قدر عالٍ من اجراءات التامين في مكان التسجيل.
* إذن فالوقائع والحقائق والقرائن تقول ان البيان الاول والمراسيم الدستورية قد تم تسجيلها في مقر منظمة الدعوة الاسلامية بمدينة الرياض في الخرطوم.
* ليس ذلك فقط، بل اعترف به الدكتور (حسن الترابي) في حديث لقناة الجزيرة القطرية، والقياديان في الحركة الاسلامية (د. أسامة توفيق) نائب رئيس حركة الاصلاح الآن التي يرأسها د. غازي عتباني، و(عباس علي السيد) رئيس اتحاد الغرف الصناعية السابق في اتحاد عام أصحاب العمل، وآخرون من قادة النظام البائد في أحاديث صحفية متفرقة!
* وجاء في تقارير إخبارية متفرقة ان قسم الإعلام والنشر برئاسة المنظَّمة تم تدعيمه بأجهزة ومعدات حديثة في عام ١٩٨٣م قدِّرت بأكثر من نصف مليون دولار، ومن ضمنها استديو كامل للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، (وهو الذى تم فيه تسجيل البيان الأول للانقلاب)، ورأس ذلك القسم حتى عام 1989 الإسلامي المعروف (عوض جادين) الذى تولى رئاسة عدة أجهزة اعلامية فيما بعد منها وكالة السودان للأنباء والإذاعة السودانية وغيرهما!
* اما ارتباط المنظمة بالجبهة الاسلامية، فلقد اعترف الترابي في كتابه (الحركة الاسلامية في السودان) بأنها صنيعة الجبهة الإسلامية، وأقر بذلك آخرون من بينهم (أسامة توفيق) الذي اعترف صراحة بأنها كانت ملكا للحركة الاسلامية، ولم يكن خافيا أن مقر المنظمة كان المكان المفضل لاجتماعات الحركة ومنها تلك التي أفرزت المفاصلة بين الترابي والبشير في عام 1999م، مؤكدةً بذلك الدور التآمري والسياسي الذي ظلت تقوم به منذ تأسيسها في عام 1980م تحت غطاء الدور الدعوي الإسلامي الخيرى المزعوم!
* هل يكفى بعد كل هذه الاعترافات والأدلة حل المنظمة فقط، أم ضمها إلى قائمة المتهمين في جريمة تقويض الدستور والانقلاب على النظام الشرعي في يونيو 1989م، وكل ما ابتلينا به من جرائم ومفاسد بعد ذلك؟!
زاهر بخيت الفكي
الجريدة