مقالات متنوعة

مفاوضات جوبا.. تصعيد أم سلام؟

مرة أخرى، تهاوت الآمال في نجاح عملية السلام بين الجبهة الثورية والحكومة الانتقالية بعد إعلان الأخيرة عبر مصفوفتها بأن التاسع من مايو القادم تاريخاً نهائياً لتكملة هيكل الفترة الانتقالية بتعيين ولاة من المدنيين وتشكيل المجلس التشريعي. مجلسا السيادة والوزراء بالإضافة إلى حاضنتهم السياسية “الحرية والتغيير” يروا ضرورة الإسراع بملء الفراغات التي تسبب فيها غياب المجلس التشريعي، وأن هذا الاجراء لا يتعارض مع مفاوضات جوبا.. لكن بالمقابل شركاء السلام في الجبهة الثورية اعتبروا تعيين الولاة المدنيين خرقاً لإعلان جوبا، وطالبوا بمراجعة المصفوفة وحسم قضية تعيين الولاة في اجتماع رباعي مشترك تكون الثورية طرفاً فيه مع مجلسي السيادة والوزراء وقوى الحرية والتعبير.

اقتراح الجبهة الثورية يطرح تساؤلاً عن مكان عقد الاجتماع، فما الذي يمنع الثورية من العودة إلى الخرطوم؟ على مدى سنوات كانت الحركات المسلحة تدور في دائرة مفرغة من المفاوضات في نيفاشا، الدوحة، أديس أبابا وغيرها من المدن، الخرطوم ليست من ضمنها، مفاوضات باءت جميعها بالفشل.. ومسلسل الفشل هذا لا يزال مستمراً إلى الآن بحسب المعطيات. كل هذه الاخفاقات المتكررة يتحمل مسؤوليتها النظام البائد وكذلك الحركات المسلحة وانضمت إليهم مؤخراً الحكومة الانتقالية. فبعد سقوط البشير وقبل اعتماد الوثيقة الدستورية والإعلان عن منبر جوبا، الطريق إلى تحقيق السلام والاستقرار كان ممهداً.. طريق يبدأ وينتهي داخل السودان. لكن الحركات المسلحة رفضت السير فيه رغم أنهم كانوا شركاء أساسيين في ثورة ديسمبر وبعض الفصائل وقعت على إعلان الحرية والتغيير!

أعود إلى قرار الحكومة بتعيين ولاة مدنيين مؤقتين، فيبدو عملياً أنه الحل الأقرب في ظل تردي الاقتصاد وهشاشة الوضع ككل “مع تحفظي على المحاصصات التي طالت التعيينات المقترحة” ومع ذلك، هذا الحل يبعث بإشارات مفادها أن عملية السلام قد تمتد لوقت غير معلوم، فإذا كان منبر جوبا يسير بخطى جادة وحثيثة لتحقيق السلام، والشركاء يصرّحون بين الحين والآخر بإيجابية أجواء المفاوضات وقرب حسم كل الأمور العالقة وأن التوقيع بات وشيكاً، مع كل هذه التطمينات لماذا الحوجة لتعيين ولاة مؤقتين؟ فعملية التبديل بين الولاة الدائمين والمؤقتين في القريب العاجل قد تسبب ربكة إدارية؟ الإجابة على هذا السؤال وبعد قراءة سريعة للوضع الراهن هي: ليس هناك “قريب عاجل”.

إشارة أخرى بأن موعد التوقيع النهائي للسلام لن يكون على المدى القريب، دخول المفاوضون في دوامة التمديد، ما يعني كثرة العوائق وعدم الاتفاق على الملفات الخاصة بالترتيبات الأمنية وتعيين الولاة المدنيين وتسمية أعضاء المجلس التشريعي ولا ننسى ملف علمانية الدولة. لكن يبقى العائق الأكبر في تقدم عملية السلام، المفاوضين أنفسهم، فالشقاق المتواصل بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية، وهو شقاق لا يتعلق ببنود الاتفاق، يخلق تشوهات حادة في ملف السلام ويلقي الضوء على غياب الوطنية بين الطرفين التي تلزمهم بالجلوس بصورة جادة لحسم هذا الشرخ بينهما وتقديم أهداف الثورة على أي شيء آخر. الجميع يعلم جيداً أن هذا الخلاف يعطي فرصة للمتربصين لفشل مفاوضات جوبا وتقويض المصلحة من وراء التفاوض وهي بناء السودان.

وبالحديث عن المصالح، يستحضرني هنا حديث لفاروق كسباوي، وهو شخصية أثارت الجدل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي. كسباوي وصف في لقاء عبر الوسائط الخلافات بين المكونات السياسية والجبهة الثورية قائلاً: “السودان ما عجلة موجودة في نص الحلة كل واحد داير فيها سحبة!”، مقولة على رغم بساطتها لكنها عميقة وتلخص ما يجري الآن.. لا خلاف على أن السودان يمر بأحرج الأوقات وأن نجاح عملية السلام يسهم في تعافيه ويعطي دفعة قوية لعملية التحول الديموقراطي، لكن هذا النجاح يجب أن لا يكون مرهوناً بمناصب ومحاصصات، بل بإرادة حقيقية وأتباع طريقة مختلفة في التعامل مع هذا الملف، تبدأ بمعالجة أسباب الفشل وتنتهي بخلق سلام مستدام مع استبعاد نظرية “سحبة العجلة”.
سارة العريفي- اليوم التالي