لجان المقاومة في الواجهة بين مطرقة الطوارئ الصحية وسندان العجز الحكومي
تعتبر لجان المقاومة من أبدع أشكال النضال التي أنتجتها السياسة السودانية، وقد لعبت دوراً مشهوداً في التغيير من خلال النشاط الكثيف الذي تقوم به في الأحياء، حيث انخرط فيها الآلاف من الطلاب وخريجي الجامعات والشباب، وأغلبهم غير منتمين للأحزاب السياسية، ويحمل الغالب من لجان المقاومة تجارب وخبرات كبيرة في العمل الطوعي والخيري، ويتحركون بوعي عميق للأزمة السياسية في البلاد، مع التزام قوي تجاه الثورة وأهدافها الوطنية، كما يوصفون دائماً بأنهم خط الدفاع الأول عن الثورة وضمان نجاحها وعدم اختطافها، أو تغيير مسارها لصالح جهة أو مجموعة بعينها.
لجان المقاومة أدوار متجددة
في وقت يرى فيه البعض أن لجان المقاومة قد انتهى دورها بسقوط النظام وتشكيل حكومة الثورة، يرى شباب لجان المقاومة أن الثورة ما زالت مستمرة من خلال المطالبة بتحقيق كثير من أهدافها عبر الوسائل السلمية المجربة، وبعد تحقق الهدف الأكبر لها، وهو سقوط النظام، ما يزال تحقيق العدالة والمتمثل في محاسبة المسؤولين والمتورطين في قتل الشهداء من أكبر القضايا التي تهم لجان المقاومة، بحكم أن أغلب شهداء الثورة من رفاقهم الشباب، وقد قطع الشباب في لجان المقاومة مع شهداء الثورة وعداً لن يخلفوه، وهو القصاص من قتلة الشهداء، وقد سيرت لجان المقاومة مواكب عديدة تأكيداً لهذا الوعد، وتذكيراً للسلطات بالقضية التي ما تزال حية رغم مرور عام على ذكراها، قضية فض الاعتصام.
أثبتت لجان المقاومة جدواها وفاعليتها من خلال كثير من المشروعات والمبادرات التي تبنتها وقامت بتنفيذها، وردت بصورة عملية على الأصوات التي تنادي بإنهاء دورها أو تغيير مسماها، بحيث أن فكرة المقاومة مرتبطة بالظروف التي خلقها النظام البائد، إلا أن للجان المقاومة رأي آخر، حتى عندما شرعت السلطات في استيعابها من خلال مسمى وأدوار جديدة، تحت لافتة لجان الخدمات والتغيير، التي تحل محل اللجان الشعبية السابقة وتؤول إليها صلاحياتها، نظرت لجان المقاومة للخطوة بأنها محاولة لتدجين اللجان وتسخيرها لخدمة الحكومة، ووضعها في هيكل الحكم المحلي للسيطرة عليها، وقامت لجان المقاومة بدور الاشراف على تشكيل لجان الخدمات والتغيير، ممن تثق في ولائهم للثورة، وظلت موجودة في المدن والأحياء تواصل المهمة الثورية، والتي يرونها فوق الدور الخدمي والطوعي الخيري، مهمة نشر الوعي الثوري والمحافظة على جذوته مشتعلة حتى تحقيق أهداف الثورة بالانتقال الديموقراطي.
بعد السقوط وبداية التحديات:
مبكراً، وقبل حسم نجاح الثورة وتشكيل الحكومة المدنية، تبنت لجان المقاومة نظافة الوطن وطرقاته من خلال حملة ” حنبنيهو” والتي مثلت البداية الفعلية لبناء الوطن بعد الفراغ من مهمة الهدم والاسقاط، وبرهنت لجان المقاومة على وعيها بقضية الثورة، عندما توقفت حملة النظافة وأعاد الثوار ” تتريس” الطرقات التي كانوا ينظفونها بعد فض الاعتصام مباشرة، وعادت اللجان إلى مواصلة مهامها في نشر الوعي والبناء في الأحياء بعد التوافق السياسي على تشكيل الحكومة والتوقيع على الوثيقة الدستورية، مع الالتزام القوي من شركاء الفترة الانتقالية بتحقيق كامل أهداف الثورة، في الحرية والسلام والعدالة.
مؤخراً بعد تفاقم أزمة الوقود والدقيق، برزت أهمية الدور الرقابي الذي ظلت تقوم به لجان المقاومة، وتم الاعتراف بهم رسمياً كجهة رقابية من قبل السلطات، وقد برهنوا مرة أخرى، حرصهم وحسهم الوطني، من خلال المحافظة على قوت الناس ومعاشهم، وقد شاهد الناس بأم أعينهم، شبابٌ في مقتبل العمر، يسهرون في حراسة دقيق الخبز في الأفران لضمان صناعته وتوزيعه خبزاً لأهالي الحي، وكذلك وقفوا في حراسة توزيع الوقود في الطلمبات، حتى يمنعوا تهريبه أو التلاعب به، وقد دونت السجلات الرسمية أكثر من مرة، ضبط لجان المقاومة لمتلاعبين بالدقيق والوقود.
إنّ المذهل والمدهش في الأمر، أن كل هذا العمل، كان عملاً طوعياً وطنياً خالصاً من أي غرض، سوى خدمة الوطن والمواطن، وحرصاً على بناء السودان الذي دمرته الحروب والخطوب، وفشل الساسة في التوافق على الوطن الذي تستحقه جماهير الشعب السوداني التي أعطت ولم تأخذ شيئاً.
لم تكن المبادرات والمجهودات التي تقوم بها لجان المقاومة وليدة لحظة، أو استجابة لأزمة طارئة، رغم أنها تصدت للأزمات الطارئة، ونشطت لجان المقاومة بصورة أكبر في الطوارئ الصحية لمكافحة جائحة كورونا، عملت بهمة ونشاط في مجال التوعية وتوزيع المعقمات والكمامات، وتوزيع الأطعمة للمشردين في الطرقات، وأطلقوا المبادرات وتطوعوا لنظافة وتعقيم الطرقات والسيارات في التقاطعات، مثلما تفعل مبادرة شباب بحري، التي توصل المعقمات لأهالي بحري في المنازل، وتنشط في طرقاتها الرئيسية، توزع المعقمات مجاناً، مع العمل ليل نهار في نشر الوعي الصحي وسبل الوقاية.
التداعيات التي خلفتها الطوارئ الصحية التي فرضت على الناس عزلاً كاملاً في ولاية الخرطوم، برزت أدوار مدهشة للجان المقاومة في كثير من المناطق في ولاية الخرطوم، تقدم خدمات جليلة لأهالي الأحياء، مثل خدمة توصيل الخبز إلى المنازل، ومن قبل ذلك، قامت لجان المقاومة ولجان الخدمات والتغيير بإحصاء الأسر الفقيرة والمحتاجة، وسعت بينها والمؤسسات الحكومية المختصة لتقديم الدعم اللازم في ظل الحظر الكامل، وقد سعت لجان المقاومة ولجان الخدمات والتغيير بالتنسيق والعمل مع الجهات المختصة لتوفير عدد من السلع الحيوية للمواطنين في الأحياء.
أدوار وتحديات جديدة
لقد تصدت لجان المقاومة إلى الأزمات المتكررة، لكن ثمة تحدي جديد يواجه لجان المقاومة ولجان الخدمات، وذلك في سعيها الحثيث لضمان توفير السلع لمحتاجيها في الأحياء، خاصة السكر والغاز، هذه الخطوة تعتبر أول تحدي يواجه هذه اللجان، فهي كانت في السابق تنظم أو تراقب أو تقوم بحملات طوعية، لكنها الآن بعد أن تصدت لمهمة توزيع السلع الضرورية والنادرة حالياً، تورطت حتى أذنيها في أزمات الحكومة، وهي تتداخل فيها أسباب قديمة وجديدة، وتعقيدات بيروقراطية، وتداخلات لكثير من الجهات.
يقول محمد أبوبكر عضو تنسيقية لجان جنوب الحزام لـ”الجريدة” انهم بدأوا منذ الأسبوع الماضي إجراءات التصديق للسكر، وتوجهوا إلى وزارة الصناعة الولائية، وأكملوا إجراءات التصديق، وتم توجيههم إلى إدارة الأمن الغذائي لأخذ إذن بتوريد الرسوم في حساب الشركة السودانية للسكر، ويضيف محمد أبوبكر انهم بعد إكمال الاجراءات تفاجئوا بأن البنوك قد تلقت توجيهاً بعدم التعامل مع الجمهور، وتحدث مناديب لجان المقاومة مع مسؤول بالبنك الذي أشهر في أوجههم منشور بنك السودان المركزي القاضي بإيقاف التعامل مع الجمهور، وأكد لهم أنه في حال تلقى منشور من البنك بالعمل سيباشر العمل فوراً ويكمل إجراءاتهم في ايداع المبالغ المطلوبة، ويضيف محمد أبوبكر انهم توجهوا فوراً لرئاسة مجلس الوزراء واجتمعوا مع وزير التجارة والصناعة الاتحادي مدني عباس مدني، ووعدهم الوزير بحل مشكلة التوريد، وفيما يخص مسألة تسليم الحصص، يقول أبوبكر أن هناك مناديب لم يتسلموا حصص السكر منذ أكثر من اسبوعين، وقد أكملوا كل الاجراءات المطلوبة من تصاديق وتوريد للرسوم، ويؤكد كمال عبدالله ادم، عضو لجنة الخدمات والتغيير بحي الاسكان 75 بام درمان، أنهم عانوا الأمرين لتوريد رسوم السكر، فمنذ يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، ظلوا مرابطين في البنك ولم يستطيعوا التوريد، وفي يوم “السبت” أغلقت البنوك أبوابها، وعندما جاءوا يوم الأحد رد موظفو البنك بأنهم لا يستلمون أموال نقدية، وقاموا بتحويل أموالهم إلى شيكات، وكذلك وجدوا أن منافذ المقاصة قد أغلقت أبوابها، ولم تتوقف رحلة المتاعب عند هذا الحد، بل ذهب مناديب لجان المقاومة إلى فرع بنك العمال الوطني بام درمان ووجدوه مغلقاً في أوجههم، ويضيف كمال بأن المسألة تأزمت للغاية، وأنهم يحملون أموال المواطنين في الأحياء، وقاموا بتحويلها إلى شيكات وهي في أيديهم، ولا يعرفون أين يوردونها.
وبحسب تصديق وزارة التجارة والصناعة الولائية، فإن على مناديب الأحياء توريد الرسوم على حساب في بنك العمال الوطني، لكن بنك العمال الوطني تلقى توجيهاً آخر من البنك المركزي يمنع التعامل مع الجمهور، ويطالب كمال الجهات المسؤولة بأخذ الأمر محمل الجد، ووصف ذلك بأنه يضرب الثقة بينهم والمواطينين الذين يمثلونهم، وأضاف أن هذا يمثل أول تحدي لهم كلجان خدمات وتغيير، إذا فشلوا فيه سيفشلوا في التحديات القادمة، لم تنته أزمة السكر بانتهاء معضلة التوريد في البنوك، فكثير من اللجان التي وردت رسوم السكر وأكملت إجراءاتها لم تستلم حصصها من المخازن.
الصادق عطرون، عضو لجان مقاومة أم بدة، يقول بأنهم يريدون أن يحافظوا على المصداقية بينهم في لجان المقاومة والمواطن، ويطالب بضرورة توفر المصداقية بين الحكومة ولجان المقاومة، باعتبار أنهم يمثلون المواطن، ويخشى الصادق عطرون من أن تجعلهم الحكومة كبش فداء، وتفقدهم ثقة المواطن، ويضيف عطرون بأن المواطنين يضغطون علينا، ويتصلون في كل الأوقات ويسألون عن السكر، ويطالب عطرون الحكومة بتمليك الناس الحقائق، إذا كان السكر غير متوفرـ على الحكومة تبليغهم بذلك، ويضيف:” لا يمكن أن نتجرجر يومياً في ظل عدم وجود البنزين وغياب المواصلات” ويتسائل عطرون متعجباً عن كيف تدار الدولة ؟ وهو مثل عبدالواحد جار النبي الذي يقول: ” لينا اسبوعين شايلين قروش من مواطني الريف الشمالي، قرية ودحليو، ومؤجرين عربية، واخذنا الوقود الباغة بالف جنيه، حتى نحصل على سكر المواطن”.
البعض من لجان المقاومة وصف الذي يحدث بأنه عمل ضد أهداف الثورة، ويرى بأن الوزير إذا لم يكن على قدر المسؤولية، عليه أن يغادر الوزارة، وأن الأمر بهذه الطريقة يطعن في مصداقية الثوار والثورة، ووصف ما يجري بانه سلوك كيزان.
فيما يخص توزيع الغاز، واجهت لجان مقاومة كرري تحدي الاشتباك مع السلطات الرسمية، ووصفت ما حدث بأنه أمراً مريراً ومؤسفاً للغاية، حيث كشفت لجان كرري في بيان لها عن خلل في كمية غاز المنطقة، حيث تسلمت اللجان 14 عربة، حمولة 200 أنبوبة لكل عربة، بدلاً عن 130 عربة، ونفت أن تكون العربات التي تسلمتها 30 عربة، ووزعت اللجان العربات على 6 ميادين لمراعاة التوجيهات الصحية، وكشفت عن مشاكل تمثلت في نقص في الكميات، وضيق وقت التوزيع، وكشفت عن فجوة تقدر بـ 11460 أنبوبة غاز، حيث تسلموا فقط 3250 أنبوبة، وذكر البيان أن على الجهات التنفيذية في المحلية الترتيب لاستلام المهام الموكله لها، وأن لجان المقاومة ستظل في المراقبة وليس التنفيذ.
لجان السامراب أيضاً تشكو من تضارب الصلاحيات وقلة الكميات، وقد حدثت فوضى في ميادين التوزيع بعد أن تدخلت عناصر من الدعم السريع، وحدث هلع بين المواطنين وتم سحب دفار الغاز إلى رئاسة جهاز المخابرات بحلة حمد ومن ثم إلى قسم المدينة، وتم توزيعه في مكان آخر، غير المكان المخصص له، الأمر الذي جعل لجان السامراب تصدر بياناً تدين ما حدث من تدخل في عملهم وتوزيع حصتهم في مكان آخر.
ما تزال الميادين في الأحياء مكتظة في انتظار أنابيب الغاز، وما يزال عدد من المواطنين في انتظار صرف السكر المدعوم، بالاضافة إلى الأسر المحتاجة التي تنتظر الدعم من خلال العمل الذي تقوم به لجان المقاومة مع وزارة التنمية الاجتماعية والجهات المختصة، كل هذه التحديات وغيرها تضع لجان المقاونة في وجه المدفع مع المواطن، ما قد يفقدها ثقته في حال لم تستطع السلطات الوفاء بتعهداتها، أو الالتزام بتوفير السلع والخدمات المنتظرة، لمواجهة تداعيات الطوارئ الصحية واحتياجات رمضان.
حافظ كبير
صحيفة الجريدة