مقالات متنوعة

كيف نحارب القبلية؟


أجتاحت منصات التواصل الاجتماعي سلسلة من (البوستات) والتسجيلات الصوتية المحركة لمشاعر الانتماء القبلي والمهيجة لعصبية التطرف الجهوي والمناطقي , تزامناً مع التطورات الأخيرة في أجهزة الحكم الانتقالي وسطوع نجم الرجل الثاني بمؤسسة السيادة الوطنية الانتقالية, وإمساكه بملف حلحلة الأزمة المعيشية, حملات كاسحة وماسحة ومثيرة للكراهية وباثة لسموم البغض العرقي, المتهم الأول والأخير في إثارتها النظام البائد و بقايا أرزقيته الذين شارفت رقابهم على الوصول إلى المقاصل, فما وجدوا غير هذه الحيلة الخبيثة والماكرة, التي كانوا يجنبون لها الأموال ويسخرون لها أجهزة الدولة, للفتك بتماسك اللحمة الوطنية حينما كان سرير السودان تحتهم.

أولاً, لابد من مراجعة مسميات الأحياء السكنية في المدن السودانية, مثل حي الفلاتة و ديم التعايشة
وبري المحس والدناقلة والجميعاب والركابية وحي العرب … إلى آخر العقد القبائلي الفريد , يجب أن تكون أسماء الأحياء حاملة لأسماء عظماء وشهداء الثوارت السودانية, وأعلام الفكر والسياسة والأدب من الوطنيين الخلّص والأحرار, واسماء المعارك والملاحم الوطنية المشهودة, وأن تكون بعيدة كل البعد عن الانتماءات القبلية والمناطقية, فعواصم البلدان يجب أن تكون ماعون جامع يسع كل الطوائف والملل والنحل والقبائل والشعوب, وتنصهر فيها الأتجاهات الجغرافية, وعلى دوائر المساحة والاسكان العمل على مراعاة التنوع الديمغرافي عند وضع خططها و برامجها الاسكانية.

من الظواهر الإجتماعية التي لا يلقي الكثيرون لها بالاً الرسالة الموجِهة للنكتة المكتوبة والمحكية,
ومضمون المادة الدرامية التي تتخذ من القبائل مصدراً للإضحاك والفكاهة, ودونك رمزية أبكرونا وهيرونا وأدروب والعوض والرباطابي والشايقي والجعلي وهلمجرا, لماذ نجعل مصدر الضحك والفكاهة والترويح عن النفس منطلقاً من القبيلة بالدرجة الأولى؟, هل نطق الكوميديان العالمي السيد (بين) الهندي الأصل والبريطاني الجنسية باسم شعب أو قبيلة عندما أضحك شعوب العالم, السيد (بين) هو ذلك الرجل الخلوق المتزن والمتصالح مع نفسه في صمته الرهيب وحركات بدنه الرشيق, المتجاوب مع من حوله من مجتمعات الإنس بكل ظرف وخفة دم و دعابة منقطعة النظير, فقدم رسالة إنسانية وكونية عظيمة وهو ساكت دون أن ينبس ببنت شفة.

بلادنا بها مشكلات كثيفة ومعيقة لمسألة الإنتقال التوعوي قبل الإنتقال إلى الفضاء الديمقراطي الصحي
المطلوب, وهي أن بعض النافذين في سلطة الثورة الديسمبرية العظيمة لا يرون في بعض الممارسات والظواهر الثقافية والإجتماعية معيقاً لهذا الإنتقال, ومن هذه المعيقات استمرار النهج القديم لما سميت بثورات نوفمبر ومايو و يونيو, و السؤال القائم : ما هو هذا النهج القديم؟
, إنّه عدم الإعتراف بالآخر غير المؤدلج, الذي هو ليس بكوز ولا بعثي ولا شيوعي ولا جمهوري ولا حزب أمة ولا ختمي, هل تخيلت معي عزيزي المواطن السوداني كيف يكون موقعك في خارطة دولتك, وموقف هذه الدولة منك إن لم تكن من هؤلاء؟.

السودان وطن لم يتخلق بعد لأن القبيلة تلعب فيه الدور الأكبر, فما زالت رمزية غناء الفروسية والبطولة
تتمثل في إيقاع أغنية (قبائل الفولان) الشهيرة بإيقاع الحماسة, و إذا أردت التحقق من ذلك عليك بالاستعانة بمحرك بحث العم قوقل ليعينك على الوصول إلى الفلكلور الغنائي الشعبي الكاميروني, الذي لا يختلف كثيراً عن أغاني الدلوكة في السودان, و أزيدك من الشعر بيت, ستجد البطان ثقافة أصيلة وراكزة عند قبائل الفولان, فكيف للآخرين الذين يتحدرون من سلالات وقوميات مثل البجا والفور والنوبة والنوبيين أن يخضعوا لمنهج الثقافة الواحدة برغم تنوع وتفرد وثراء فلكلور هذه الشعوب السودانية العديدة؟؟!!!.

وزارة الثقافة والإعلام بقيادة الأستاذ فيصل محمد صالح عليها أن تُخلّص الشعب السوداني من مخلفات
عهود الظلام التي بدأت منذ يناير من العام ألفٍ وتسعمائةٍ وستةٍ وخمسين, إذ أنه لا وجود لأسم القبيلة في السودان إلا ضمن سجلات السجل المدني, وذلك من أجل شيء واحد هو التدقيق والتأكيد والتمحيص والتيقن والتحقق من طالب الحصول على الجنسية السودانية, ليس إلا, فدورها إداري صرف يتعلق بالعمليات الإحصائية المعهودة.

حقيبة وزارة الثقافة والإعلام يا أستاذ فيصل أكبر من أن تتفرغ فيها لأن تكون مجرد ناطقاً رسمياً باسم
الحكومة التنفيذية, يا أخي الكريم إربأ بنفسك عن هذه المهزلة, إنّ وظيفة المتحدث الرسمي هذه لا يقوم بها وزير مختص, وظيفتك يا عزيزي الوزير أكبر من أن تكون مجرد بوق يقوم بنقل أخبار مخرجات اجتماعات الجهاز التنفيذي, لو تعلم يا السيد الوزير أنت تمثل الحكومة الحقيقية في وزارتك هذه, لأن دورك هو إعادة صياغة الوجدان السوداني بما يتماشى مع عهد التغيير وقيم الثورة ومتطلبات الحكم الرشيد, لكنك و للأسف قبلت أن تكون مجرد ناقل للخبر و ليس صانعاً له, فانت المسؤول الأول عن الأجهزة المنوط بها قلب الأمور رأساً على عقب لأنها مفتاح صياغة العقل والوجدان.

عليك يا سعادة الوزير محاربة مثبطات الثورة الديسمبرية, المتمظهرة في إثارة النعرات القبلية وتحريك
العصبيات الجهوية وتغليب الولاءات المناطقية, وذلك بفعل شيء واحد هو إخضاع المادة المقدمة عبر المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون (لفلترة) من شوائب مشجعات التخلف القبائلي, التي ينطق بها مقدمو ومقدمات البرامج الاذاعية والتلفزيونية دون خجل أو حياء, عليك بانجاز ميثاق شرف وطني لجمعيات واتحادات الأدباء والمسرحيين والشعراء والاعلاميين و الكتاب والصحفيين, يضع حداً لفوضى ضرب النسيج المجتمعي عبر أجهزة الاعلام الرسمية والشعبية بالترهات القبلية المقيتة, ميثاق من القسم الغليظ الذي يعلي من شأن وقيمة الوطن الذي بذلت في طريق سؤدده المهج والأرواح.

إسماعيل عبد الله

الراكزبة