مقالات متنوعة

المحاصصة في تعيين الولاة والمجلس التشريعي


المحاصصة في تعيين الولاة والمجلس التشريعي.
الكيكة المسمومة!!

يدور لغط كثيف حول سعي العديد من الكيانات السياسية والحركات المسلحة نحو نيل اكبر نصيب من “كيكة” تعيين ولاة الولايات المدنيين وأعضاء المجلس التشريعي المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية.

دون الإشارة الي من يتكالبون علي الفوز بمناصب الولاة او المجلس التشريعي، نذكر بان التجمع العريض لقوي اعلان الحرية والتغيير رغم عضويته المتباينة التوجهات، تمكن (في وقت قصير نسبياً) من تكوين مجلس الوزراء الانتقالي الحالي. (اضافة الي الدور الإيجابي والحكيم لرئيس الوزراء). وببساطة، ذلك الإنجاز التاريخي المهم، يرجع الي
الاتفاق علي الابتعاد عن المحاصصة واعتماد معيار الكفاءة وعدم الانتماء الحزبي (بقدر الإمكان). في ذلك الوقت لم نسمع أصلا معارضة لذلك الإنجاز غير أصوات ازلام النظام البائد، خاصة في صحفهم الصفراء التي لا زالت (للأسف) تُمارس عوائها حتي الان.

سوءال مشروع هنا: لماذا لا نعتمد نفس المعيار السابق استخدامه عند اختيار مجلس الوزراء والاعضاء المدنيين في مجلس السيادة؟

بلا شك، ان ذلك اهون واسلم من المحاصصة المعلنة الان والتي تهدد كل ما تم بناءه من خلال التحالف العريض للقوي الوطنية (قوي الحرية والتغيير). وسيكون الخاسر الأكبر حينها، الشعب السوداني الذي مهر الثورة بدماء شهدائه الابرار.
لذلك يجب العمل من اجل إنقاذ ثورة ديسمبر العظيمة، من خطر المحاصصة. ويجب علي مكونات قحت وحركات الكفاح المسلح تجنب هذة المخاطر، التي تهدد مستقبلها السياسي وذلك للاسباب التالية:

– لا توجد اي معايير لتحديد أوزان سياسية لاي من فرقاء قحت يمكن اعتمادها عند الحديث عن المحاصصة.
– لا يمكن اعتماد أوزان القوي السياسية التي افرزتها انتخابات ١٩٨٦ (قبل ٣٤ سنة)، لان من كان عمرهم ١٧ عاماً او اقل (لم يحق لهم الانتخاب) صاروا الان بين ٣٤-٥١ عاماً. واذا أضفنا لهم من ولدوا اثناء الثلاثين عاماً الماضية وبلغوا سن الانتخاب نجد بلا شك ان الأغلبية العظمي لمن يحق لهم الانتخاب الان، لم يشاركوا في انتخابات ١٩٨٦. هذة الحقيقة يؤكدها الهرم الديمقرافي في بلد مثل السودان.
– المتغيرات التي طرأت علي الخارطة السياسية نتيجة لانكشاف الغطاء والشعارات الزائفة للاسلامويين وحلفاءهم،
– ارتفاع درجة الوعي خاصة وسط النساء والشباب،
– ظهور تحالفات وكيانات سياسية جديدة خاصة في مناطق النزاعات المسلحة،
– تقلص اعداد اصحاب الولاءات الطائفية نتيجة لارتفاع درجة الوعي وسط مكونات الشعب المختلفة وبسبب وفاة الكثيرين (كبار السن) من اصحاب الولاء الطائفي المتوارث، رحمهم الله …

في هذا المعطف الحرج من مسيرة التحول الديمقراطي في السودان يبدو ان تحقيق مستحقات المرحلة الانتقالية لا يمكن نسبتها لاي من مكونات قحت بشكل منفرد، لذلك ما يتم انجازه خلال هذة الفترة سيكون راجعاً للمجموعة كلها وليس مكسباً يمكن ان يتباهي به اي حزب او كيان بمفرده. ومن يظن غير ذلك لن يجد استحساناً من جماهير الثورة، فالمستحقات جماعية والبرامج جماعية والمنجزات ستكون راجعة لعمل جماعي.
من ناحية اخري يبدو ان الجماهير التي قامت بهذة الثورة لن تحترم اي بادرة لروح الفردية او المحاصصة من اجل المكاسب الوقتية او للترويج السياسي تمهيداً لخوض الانتخابات القادمة.
للتأكد من ذلك، لننظر للروح الجماعية التي تعمل بها لجان المقاومة الباسلة في تقديم الخدمات والعون للسكان في كل البلاد في هذة الظروف الحرجة.

لما تقدم يبدو ان المحاصصة في اختيار الولاة وأعضاء المجلس التشريعي ستكون سماً زعافاً في الكيكة المراد تقسيمها.
لذلك، يجب ان تتفادي قوي الحرية والتغيير الوقوع في هذا الفخ الخطير (المحاصصة) الذي سيطيح بها ويهدد مكتسبات ثورة ديسمبر العظيمة.

ان روح العمل الجماعي بين كيانات قحت هي صِمَام الأمان لمسيرة الثورة وانجاز مهام الفترة الانتقالية. لذلك ليس من المفيد اعتماد اي اعادة ترتيب تنظيمي لهذا الكيان، لكي يفضي الي اعتبار مكانة قيادية لاي من مكوناته. ويجب تقديم النصح لكل من تراوده هذة الهواجس والطموحات لتأجيلها الي ما بعد الفترة الانتقالية عبر صناديق الاقتراع.

اخيراً وخارج الموضوع (كسرة علي نهج اخونا جبرة) من الواضح ان الظروف الصحية الحالية تحول دون إمكانية اجتماع العدد الكبير للمجلس التشريعي المقترح في الوثيقة الدستورية. اضافة الي ذلك هناك صعوبة الحركة للمشاركين من خارج العاصمة. وتشكل الأزمة الاقتصادية الحالية وشح الامكانات المادية عقبة امام تشكيل مجلس تشريعي بالضخامة المقترحة. لهذة الأسباب الموضوعية، قد يكون من المناسب مراجعة الوثيقة الدستورية وتقليص عضوية المجلس التشريعي. والعبرة بالنوعية وليس العدد الكبير.

اللهم الهم جميع مكونات قوي الحرية والتغيير القدرة علي الصبر والحكمة والفطنة لتفادي المحاصصة لان الكيكة “مسمومة”.

د. الحسن النذير
الراكوبة