مقالات متنوعة

إحذري يا حكومة


تناقلت الوسائط الإعلامية خبر مفاده قيام قوة من قوات الدعم السريع باحباط محاولة لتهريب السجين والمتهم أحمد هرون, إحذري يا حكومة الثورة من الوقوع في الخطيئة والخطأ العظيم الذي لا يغتفر, المطلوب من كل الجهات التي ناشتها سهام هذا الخبر أن تخرج بتصريحات وبيانات توضح فيها تلك الملابسات, هل هو خبر صحيح أم شائعة, فيمكن للمواطن أن يصمت عن التصدي لصدور حكم المحكمة الذي بموجبه تقرر وضع الدكتاتور المعزول في دار للرعاية الاجتماعية, لكن هذا المواطن وهذه الجماهير لن تسكت على أي خلل يصيب إدارات السجون يؤدي إلى خروج واحد من رموز النظام البائد من قبضة العدالة.

مرت ثلاثة أيام ولم تتحفنا حكومة الثورة وناطقها الرسمي فيصل محمد صالح بحقيقة ما تم تناقله من معلومات وأخبار حول محاولة هروب المطلوب للعدالة الدولية في لاهاي من سجن كوبر, على حكومة الثورة أن لا تسمح بحدوث شرخ في جدران العلاقة بينها وبين الشعب الذي وثق فيها و وضعها على سدة السلطة, عشماً منه فيها بالوفاء لدماء الأنقياء الأطهار, ملفات الفاسدين ومجرمي الحرب من بقايا المنظومة الانقاذية الفاسدة, يجب أن لا تكون عرضة للمساومة والإهمال والتلاعب والاستهتار.

ألتحدي الأعظم الذي يواجه منظومة الحكم الانتقالي هو حسم قضايا هذه الملفات المتعلقة بجرائم الفساد ومطالب المحاكمات العادلة للمفسدين والقتلة, الذين وثّقت الأدلة والاثباتات المؤكدة ارتكابهم للمخالفات المالية و إزهاقهم للأرواح البريئة, وتنفيذهم للكثير من الجرائم والفظائع اللا انسانية بحق الشعوب السودانية, إنّها الملفات المحورية التي سوف تقصم ظهر مرحلة الانتقال إذا غلبت روح المجاملة والانصياع لعلاقات الارحام و روابط الأواصر الأسرية, على الدوافع والمباديء والأخلاق والضمير الناشد لتطبيق القاعدة العدلية (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها).

لقد كشفت بعض القوى الظلامية والطائفية عن حقيقة الشراكة التي جمعت بينها وبين الجماعة المارقة والبائدة, وذلك ببروز محاولاتها اليائسة لعرقلة سير لجنة تفكيك الشر, بالرغم من حصول هذه القوى المظلمة على نصيب مقدر في حكومة أشعلتها ثورة حمراء وملتهبة كالجمر, وغُزيت ونمت ونبتت بسقيا الدماء الطاهرة والنقية للشهداء, فالمحكات الصعبة تفضح الظالم وتبين الخبيث من الطيب وتفرز الغث وتفصله عن الثمين, فمطلب تحقيق العدالة يعتبر الركن الأساس وحجر الزاوية والعمود الفقري لعملية الاصلاح, و واحدة من تحديات هذا الركن هو أنه يضع الحاكم في حرج بالغ عندما تكون عشيرة هذا الحاكم موجودة في مفاصل المؤسسات الحكومية, وعاملة وناشطة ضد مبدأ العدل و واقفة (ألف أحمر) في مواجهة إنجاز مشروع المساواة الذي يضع الجميع على ذات مستوى أسنان المشط.

ألأمانة وزنها ثقيل وقد ناءت بحملها الجبال الرواسي, لذا واجب على الذين تراودهم أنفسهم لأن يحملوها, أن يقتصوا لابناء الغرباء من ابنائهم و ينصفوا البعيدين قبل القريبين, وأن لا تلقي صلات الأرحام وعصبة أبناء الأعمام بظلالها القاتمة على نزاهة الأحكام العادلة والمحايدة التي يجب أن تتنزل على الباغي والظالم مهما علا شأنه, لقد اصطدم تحالف الحرية والتغيير
بعقبات صلات القربى الكؤودة التي هزمت جميع الأنظمة السابقة, فندمت بعض من قيادات هذا التحالف على تسرعها وتورطها في الدخول إلى دوّامة الحكم و إدارة شئون الرعية, وأسرّت لذوي قرباها بأنها لم تكن تتصور عظم وحجم تعقيدات المشهد السياسي السوداني.

الحكومات تأخذ شرعيتها من الشعوب حتى ولوكانت دكتاتورية, والديمقراطية منها تحوز على هذه
الشرعية عبر الشفافية والمصداقية والولوج إلى قلوب الجماهير, اما النازية والثيوقراطية والشوفونية والفاشية فتتخذ من الترهيب والوعيد وسيلة لإخضاع رقاب العامة من الناس للولاء الأعمى لمشاريعها, و من الأثمان الغالية التي يدفع قيمة فواتيرها ويتحمل اعبائها دعاة الديمقراطية والحكم الرشيد, التزاماتهم النبيلة تجاه أنصارهم و وعدهم لهم بأنهم سوف يحققون لهم ما يطمحون إليه, دون اعتبار لمجريات الأمور الأخرى في الساحة السياسية التي تضج بزعيق الذئاب وخبائث الثعالب الماكرة, فاستخدام الكريم للطفه و اعتماده على طيب خاطره مع اللئيم لا يجني منه غير العبرة والموعظة الحسنة المسنودة بهذه الحكمة:(إتقي شر من أحسنت إليه) بعد أن يفوت الأوان.

إحذري يا حكومة من الوقوع في الفخ الذي وقعت فيه المنظومة التي أعقبت سقوط (مايو), عندما هزمها شعار (عفا الله عما سلف), فتركت الخلية البكتيرية الطفيلية تواصل عملية الانقسام والانشطار والتكاثر ممتصة للدماء والأموال العامة, حتى أوصلتنا لما نحن عليه اليوم من أعداد مهولة من الفطريات و الطفيليات التي عملت على تعفن الجسد السوداني.

إسماعيل عبد الله

الراكوبة