مقالات متنوعة

السودان وحروب القبائل


السودان دولة بها تعدد قبلي يفوق كل البلدان الأفريقية, ومن يغالطني فاليأتي إلي ببلد إفريقي واحد في هذا المحيط القاري الكبير به أكثر من خمسمائة قبيلة, فحتى جمهورية إثيوبيا الفدرالية لم يبلغ عدد قبائلها هذا القدر الكبير,على الرغم من أن إجمالي تعداد سكانها يقارب المائة مليون نسمة, وهذا يبين لنا مدى غزارة وتنوع الإرث المجتمعي والثقافي السوداني, الذي يعتبر نعمة وليس نقمة إذا أحسنا إدارته ورعايته بعقول مفتوحة وقلوب مبرأة من المرض.

في الماضي القريب لم تشهد الكثير من أقاليم السودان البعيدة, صراعاً قبلياً ودموياً يموت فيه العشرات من المواطنين باستثناء إقليمي دارفور وكردفان, لكن بعد أن ثار الشعب السوداني على أكثر الأنظمة السياسية دموية وقبلية وعنصرية على مدى السنوات التي مرت من عمر الدولة الحديثة, اندلعت حرب ضروس بين قبيلتين من قبائل إقليم شرق السودان, فلقد اعتاد المواطن السوداني على مشاهدة جثث قتلى حروب القبائل في دارفور وكردفان, لكنه لم يشاهد ذلك العنف القبائلي في بورتسودان أو كسلا إلا بعد إبعاد الكيزان عن السلطة, وهذا دليل إثبات على وجود قسم إسمه شعبة القبائل في الجهاز السياسي والأمني البائد, ذلك الجهاز الذي ما زالت عناصره حرة طلقة تتمتع بشعار (حرية سلام وعدالة).

أحداث الإقتتال القبلي في كل من إقليمي دارفور والشرق في اليومين الفائتين, لها علاقة مباشرة مع إنجازات لجنة تفكيك الشر الكيزاني المقيم, ولا يوجد أي مبرر آخر غير ذلك لحدوث مثل هذه الشروخ في جدران نسيج المجتمع السوداني, غير الحُمّى التي أصابت رؤوس البائدين ومن والاهم بالدوار, جراء إنكشاف المستور من فظاعات الاعتداء على المال العام, وقد يسألني أحدهم ويقول: كيف يلعب البائدون هذا الدور وهم بعيدون عن كرسي السلطة؟, إجابتي على من يطرح مثل هذه الأسئلة أن البائدين تركوا خلفهم المغفلين النافعين من كل أجناس و أطياف السودان, وهؤلاء الغافلون المنتفعون يعملون رهن إشارة البائدين من داخل غرف السجون المظلمة.

لقد حذّرت كثير من الأوساط الدارفورية المستنيرة من المردود السالب للزيارات المشبوهة, التي قام بها الوالي الأسبق للضعين (أنس عمر) لعدد من القرى والأرياف بالأقليم, ولكن لم يستبن كثير من الناس النصح لغلبة الطابع العفوي والتلقائي للأفراد والجماعات هناك, إنّه الطبع غير المُتَطبع الذي تتمتع به أرواحهم التي لم يعرف الخبث ولا الخبائث طريقاً إليها, وكذلك الأمر لأخوتنا في الشرق الحبيب, الذين وصلتهم رسائل محذرة من ضحايا حروب إقليم دارفور العبثية, بأن لا تستجيبوا لمن يفرق شملكم إلى أرتريين وسودانيين, ذات الفرقة التي قصمت ظهر مجتمعات إقليم دارفور عندما استمعوا خاشعين لمن قسمهم إلى أصليين ووافدين.

حُكام الخرطوم من كل القبائل (دون فرز) وعلى مر العصور و الأزمان, لا يكترثون لمن يموت في بورتسودان والجنينة وكجبار وكادقلي, لكنهم يرهنون البلاد للغزو الأجنبي إذا مات فردٌ واحد أمام بوابة القيادة العامة, فعلى الطيبين والطيبات من أبناء وبنات أطراف البلاد البعيدة أن يعلموا, بأن هذا الموت المجاني والرخيص الذي تجري أحداثه على أرضهم اليوم سوف يتوقف قريباً, لأن إبن من أبناء هذه الأطراف شغل موقع المسئول الأول عن الأمن والأمان في البلاد, وهو أول من اكتوى بنار الحروب العبثية , وبالتالي هو أول من يعرف ويعي نعمة الأمن والأمان من بين من هم على كابينة قيادة المرحلة الانتقالية, فهو الوحيد الذي حسم وحزم فتنة بورتسوادان الأولى التي كادت أن تعصف بكيان الدولة.

سمعنا أخباراً سعيدةً اليوم بتولي أكثر من ثلاثمائة جندي من قوات السرعة الداعمة والرادعة, بمعداتهم الكاملة والمكلمة مهمة الفصل بين فرسان القبيلتين الّتين لعب بهما شيطان المركز تلك اللعبة القذرة, فواحدة من لطائف الله بشعوب السودان المقهورة في الهامش, التي تجرعت كؤوس الموت المجاني ثمانية عشر عاماً حسوما, أن جعل أحد أبنائها قيّماً على ملف الأمن و السلام في البلاد, والمثل يقول (ما حك جلدك مثل ظفرك), فحروب القبائل يشعلها من لا قبيلة له لأن السودان مجتمع قبائلي من الدرجة الأولى, لكن قدر الله له أن يحكم بواسطة المحررين من عتقاء حملة كتشنر.

ألإنتماء للقبيلة ليس عيباً, لكن العيب في الزج بالقبيلة في أتون سباقات السياسة والصراع حول الكرسي, الأمر الذي لا يختلف عن إستغلال الدين في السياسة وهو ذات المنهج ونفس الغرض الدنيء, ففي الفترة التي حكم فيها الانجليز السودان لم يتم التأريخ لصراع دموي, نشب بين قبيلتين وراح ضحيته عشرة أشخاص وليس مئات العشرات من الأنفس البريئة , لقد ولى زمان المتاجرة بالقبيلة والرهان عليها إلى غير رجعة, لأن شباب تلك القبائل وقفوا سداً منيعاً أمام من يحاول إيقاظ تلك النعرة فيهم بوصول الرجل الثاني للقوة الرادعة إليهم في أماكنهم.

ألسلام قادم وسوف يضع حداً لهذه المهذلة التي استمرت لأكثر من ستة عقود من الزمان, تلك ألمهذلة التي يمسك بحبالها حفنة مأفونة من شذاذ الآفاق و فاقدي الهوية المحلية, ومنبوذي المجتمع السوداني الشهير بخصاله الطيبة والنبيلة, وعلى كل من برأسه ريشة أو (بطحة) فاليتحسسها, فهذا هو زمان (الحل في البل) و عهد تفكيك الظلم والطغيان (صامولة صامولة).

إسماعيل عبد الله

الراكوبة