مقالات متنوعة

اللاجئون والنازحون.. ضحايا آلة وسياسات الدولة المركزية


فتحت النزاعات المسلحة في غرب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق والشرق، فصولا من الخراب والدمار، ونفاج للتشّرد والنزوح واللجوء، والنساء والأطفال هو أكثر شائح المجتمع تضحيةّ وتأثرا بالحروب، هؤلاء هم أضعف شائح مجتمعنا في الوقت الراهن، ناهيك كونهم وجدوا أنفسهم مشردون في مخيمات اللجوء ومعسكرات النزوح، نتيجة مخططات مركزية شرّيرة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لذا يستحقون منا الإهتمام اللائق بمعاناتهم المستمرة، والتعاطف الواجب مع محنتهم الماثلة، إذ أنّ المجتمعات التي لا تلتفت إلى ضعفائها، لا يجدر بها ادعاء التحضر، ولا يستحقون الإحترام من الآخرين.

2

يقيننا، أنّ أية إتفاقية، ما لم تنصف اللاجئين والنازحين، مصيرها الفشل، يجب أن تشمل الإتفاقيات المرتقبة، تفاصيل دقيقة وعملية، عن كيفية توفير الأمن الشخصي والمجتمعي، والغذائي لجميع اللاجئين والنازحين، في خطة مدروسة بعناية، توفير لها الكادر البشري، والنصوص التشريعية، والموارد المالية، ويجب أن ينفذ هذه الخطة مسبقاً، ومن ثمّ مطالبة هؤلاء بالعودة إلى ديارهم، يجب أن ينزع السلام من الجلّادين الذين أرغموهم على النزوح والهجرة، ويجب تسلم لهم أراضيهم وجنائنهم ميدانياً، قبل المغادرة النهاية لمعسكراتهم. يجب تتخذ القوات النظامية مواقعها في كافة ربوع مناطق النزاع، قبل العودة الطوعية.

لا ينبغي لأي لاجئ أو نازح أن يجد نفسه مجبراً على مغادرة مقر إقامته القسرية، والعودة إلى حيث طرد، ما لم يطمئن بنفسه على سلامة الشخصية، وسلامة كافة أفراد أسرته أمنياً وغذائياً، سلامة هؤلاء، لا تقبل إنصاف الحلول، ولا تحتمل غموض النصوص، فاللاجئ والنازح بنص القانون الدولي الإنساني سيد نفسه، ومالك قراره،

3

تؤكد معلومات بحثية نشرت في أكتوبر 2019م أن هناك 12 معسكر للاجئين في شرق تشاد ومعسكر واحد بدولة أفريقيا الوسطى وعدد 106 معسكر وتجمع سكني للنازحين في ولايات دارفور الخمس. وحسب مصادر موثوقة حتى ديسمبر 2019م لا يزال هناك 2.6 مليون نازح داخل السودان و343,000 شخص آخر يعيشون كلاجئين في تشاد.

أما أهالي جبال النوبة، لا تزال19 محلية من مناطقهم مغلقة، وقد دمرّت قاذفات الأنتينوف والسوخوي، التي تقلع من المطارات المركزية، دمرّت كل شيء، وتقطّعت سبل الفرار بالأهالي العزّل، وإنتهى بهم مطاف التشّرد في أربع معسكرات حول مدنية العباسية، ومن فلح في العبور إلى دولة جنوب السودان، إلتقطوا أنفاسهم في معّسكر إيدا الشهير، ويضم 59 ألف نازح، ومعّسكر أجوك ثونوك ويضم 40 ألف نازح، بالإضافة إلى معّسكر بامير الواقع غرب الإستوائية، والذي أسس حديثاً نسبياً ويضم 20 ألف نازح، وحول الخرطوم تمرّكز ضحايا الحروب من أهالي جبال النوبة في معّسكرات جبرونا وزقلونا وأنغولا، أما نازحوا النيل الأزرق والأنقسنا فقد تجعوا حول معّسكر كاكوما الواقع شمال دولة كينيا، يرقبن بشريات السلام.

4

القانون الدولي الإنساني يحمي ضحايا النزاعات المسلحة، ويقف إلى جانبهم في حقهم في التعويض العادل، وحرية إختيار العودة الطوعية، ومن المعلوم بديهياً، أنّ المشردين في الغرب والشرق والجنوب الجديد، هم ضحايا لآلة وفكر الدولة المركزية، ومثلما تحمّلت الحكومة الإنتقالية وهي صاغرة، وزر الشخصية الإعتبارية للدولة السودانية، في حادثة المدمّرة الأمريكية يو إس أس كول، يجب أن تتحمل وهي معتذرة وراضية التعويضات المستحّقة لضحايا جرائم المركز السلطوية والعقائدية.

5

تعويضهم عن الأنفس البريئة التي أزحقت وأبيدت حرقا وقذفا وتنكيلا معتصمين ومسالمين في قراهم وكهوفهم، تعويضهم عن ممتلكاتهم التي نهبت ودمّرت، تعويضهم عن مزارعهم وجنائهم وحواكيرهم التي سبلت منهم عنوةّ وسلمّت لمرتزقة أجانب، تعويضهم عن الأذى النفسي والمعنوي التي حقت بهم طيلة زهاء عقدين من الإستهداف والبطش غير الإنساني، تعويضهم عن ضياع أبنائهم تعليمياً وتربوياً، هذه التعويضات يجب أنّ تكون معيّارية، ويجب أنّ ترصد وتحتسب هذه التعويضات غض النظر عن أمكانيات الدولة المركزية الحالية، منطق الأشياء يقول أنّ تعويض لاجئو ونازحو الغرب والشرق والجنوب الجديد يجب أن تكون أولوية ملحّة على رأس أجندات وزارة المالية، قبل تعويض أسر 17 بحار أمريكي ضحايا المدمرة كول، والتي كانت تقديراتها الأولية بلغت 300 مليون دولار أمريكي.

6

الضحايا القابعون بأسى في معّسكرات الذُل كلاجئين ونازحين، هم الأولى بالإعتبار، في تذليل سبل عودتهم معززين مكرّمين إلى ديارهم، ويستحقون الأولوية في التعويض المادي المجزي فردياً وجماعياً، ولكن لا يجب أن نغفل عن الضحايا الذين تقطّعت بهم السبل في دول الجوار، بكافة بقاع الأرض، في مصر وفي إسرائيل، ولبنان والأردن، ودول شرق أفريقيا وغربها، وحتى الذين تمكنوا من توفيق أوضاعهم في أوروبا وأمريكا وأستراليا، هم ضحايا حروب، ارغموا على هجران أراضيهم وأعزّ بقاع الأرض على نفوسهم، ويستحقون التعويض والإعتبار أيضا، فرّوا بجلودهم من الموت الزؤام، منهم قضى نحبه، ومنهم علق في منتصف المشوار ومنهم من عبر إلى بر الأمان.

7

مشهد ضئيل وقاتم من مشاهد التشّرد والتنكيل لأحد ضحايا الحروب في دارفور:

“أنا مواطن عادي ليست لدي علاقة بالحركات المسلحة، وقد هاجرت إلى مصر بعد أن تم تعذيبي واغتصب أفراد من جهاز الأمن في مدينة الدامر طفلتي ذات الخمسة عشر عاما“، هكذا إبتدر أحد ضحايا الحرب في دارفور …. (57) عاما حديثه لـ(عاين). ويسرد … قصته المأساوية والتي تعود إلى العام 2003 وهو العام الذي بدأت فيه الحرب الأهلية في دارفور، ويقول “لقد قام الجنجويد بحرق قريتنا وإغتالوا أشقائي وزوجتي أمامي بينما كنت أنا مختبئ مع إبنتي في مكان آخر“. وقد رحل آدم وإبنته شمالاً إلى أن وصل منطقة (كورمي) ثم إلى مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور وبعدها وصل إلى الخرطوم، ثم نزح إلى مناطق الدهب بولاية نهر النيل، قبل أن ينتهي به مشار التشّرد بمصر.”

المصدر: شبكة عاين – ٢٦ أغسطس ٢٠١٦

//إبراهيم سليمان//
أقلام متحدة

الراكوبة