مقالات متنوعة

هل من خطة وطنية لمكافحة العنصرية البنائية؟


قد خُيِّل لدي كثير من الناس ولا سيما السابحون منهم في بحور الحماسة، أن مجرد وضع نهاية لنظام الحركة الإسلامية سيئة السمعة، وبمجرد تمثيل بعض أبناء الفئات المغضوب عليهم هنا وهناك في الحكومة، ستختفي مظاهر العنصرية والفرز الاجتماعي في الدولة، هكذا بدا لهم!، أن مثل هذه النظرة الساذجة للمسائل هي الأزمة ذاتها، لماذا؟ عندما نتحدث عن العنصرية البنائية في السودان، لا نتهم شخصا محددا ولا مجموعة ثقافية أو عرقية بعينها، لان المسألة تجاوزت نطاق حدود هذه المفاهيم، وارتبطت ارتباطا لصيقا ببنية الدولة، وهكذا عندما تحل الدولة محل القبيلة أو العرق أو الدين أو الاتجاه الجغرافي، تكون النتيجة الحتمية، ارتكاب أبشع الجرائم والمآسي من القتل والتجويع وحرق القري والأطفال وممارسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والاغتصابات الجماعية المجانية!

أن العنصرية البنائية التي كانت وما زالت هي الدينامو المحرك لكثير من العلائق السياسية والاقتصادية في السودان ،هي لم تكن وليدة اللحظة في السودان ،وكما أنها لم تكن من حر بنات أفكار الحركة الإسلامية البغيضة ،بل هي جزء من التكونية الجنينية للدولة ، لأنها منذ البداية بُنيت علي الأفكار والمعتقدات والقناعات والتصرفات التي ترفع من قيمة مجموعات عرقية محددة علي حساب مجموعات عرقية أخري، وهنا ليس بالضروري للفئات التي تٌعبر الدولة عن تفوقها العرقي المتوهم أن تكون قاصرة في جهة بعينها بل يمكن أن تشمل كيانات وأحزاب سياسية ،،،الخ، فيمكن أن تكون حزب المؤتمر الوطني المتهالك أو حزب الأمة أو الحزب البعثي أو حزب الناصري العربي أو قُل الحزب الشيوعي!، إذن لماذا يستغرب البعض عندما يأتي مسئول في الحزب الشيوعي ويقيئ بالألفاظ العنصرية البذيئة ما الفائدة من الهرج والمرج ؟! ، الم تكن هي ذات الدولة التي قامت برسم الخارطة الأثنية في السودان وفقا للون البشرة أو الثقافة أو مكان السكن أو العادات أو اللغة ،،،الخ ، وبناء علي هذا التقسيم تم تحديد الأدوار الاجتماعية سلفا ،الم تكن هذه التصرفات التي تصدر هنا وهناك تعبيرا صادقا ودليلا قاطعا وتنزيلا لهذه التصورات؟! ،ما الجديد يوم أن قام بعض الناشطين السياسيين والذي يُعتقد انتمائه للحزب الشيوعي بأجراء مُقاربة بين أبناء الفداديات وأبناء المصارين البيض والذي ابدي فيها استنكاره التام،كيف لابن الفدادية مثل ” الفريق كباشي ” أن يتجرأ ويتحدث بإقالة احد أبناء المصارين البيض” د. اكرم”، وكأن لسان حاله يقول: هذا خرق للقانون الطبيعي المعمول في السودان، لأن مثل الفريق كباشي مكانه الطبيعي أن يعمل جنديا طائعا لدي احد قيادات العسكرية لأبناء مصارين البيض ويقتل أهله في جبال النوبة أو دافور أو بالأحرى أن يعمل لدي شرطة النجدة والعمليات أو النظام العام ويقوم بركل الفداديات ودلق المشروبات الروحية في الأرض في حملات إزالة المظاهر السالبة كما يُسمونها !.

وفي ذات المضمار، لا يعتريني أي استغراب حيال ما قامت بها هذه المريضة التي تسمي بالدكتورة” إحسان فقيري ” في طريقة تعليقها علي صورة شاب يُعتقد انه متزوج من امرأة أوروبية ووصفته بالقرد، تؤكد أن هذه التصرفات ليست عرضية ،بل نسق متكامل من المفاهيم الخاطئة تجاه الأخر والتي عُززت بواسطة آلية الدولة ،فهي لم تتوقف في مصادرة الحق الإنساني لهذا الشاب الذي ضاق به ارض السودان ظلما وعنصرية وكراهية وهاجر الي أروبا تاركا وراءه كل هذه اللعنات في امل أن يعيش في مجتمع يحترم إنسانيته ،ولكن للأسف لاحقتها بأفكارها المريضة حتي هناك ،إنها حقا نزيف للأدمغة ، أن مثل هذه الظاهرات المرضية والسياسات التي تعمل علي تكاثرها وتوالدها باستمرار، إن لم يتم مخاطبتها بأسلوب وطني شامل ستكون عائقا في بناء دولة والتي هي في الأصل في مرحلة التشكل ولم تتوقف نزيفها بعد بسبب مضاعفات هذا المرض.

إذن ما العمل؟ هل يجدي العويل والنحيب ولطم الخدود، واستصدار سيل بيانات الشجب والإدانة، وبحر متلاطم من اللايفات، وقت أن يقوم شخص ببث سموم العنصرية البغيضة؟ وهل هناك فرصة أخيرة لمعالجة هذه المعضلة من جذرها عبر صياغة عقد اجتماعي يقوم علي فكرة المساواة بين الأعراق المختلفة والإنصاف الاجتماعي، لا علي أساس أبناء الفداديات وأبناء المصارين البيض، وهنا يستلزم ضرورة الاعتراف الرسمي من الدولة من جانب ومن جانب أخر إن اردنا تغييرا حقيقيا ،يجب من المواطنين المسئولين في كل الوسائط الاجتماعية وقف حملات العنصرية والعنصرية المضادة وضرورة تشكيل خطاب يستأصل جذور العنصرية البنائية في مؤسسة الدولة ؛وعلي الدولة أن تجعل من قمة أولوياتها وضع حزمة من السياسات الإصلاحية في كل هيئات الدولة وتحديد اطار قانوني صارم لمكافحة العنصرية المؤسسة ؛أما علي الصعيد الشعبي أو الجماهيري إذكاء وعي عامة الجمهور بالصكوك الدولية في مجال حقوق الإنسان .

عبد العزيز التوم
الراكوبة