رأي ومقالات

البعثة الاممية: ما وراء الأقنعة (٢-٢)

ؤى وأفكار
د. إبراهيم الصديق علي
البعثة الاممية: ما وراء الأقنعة (٢-٢)
مقاربات في مسرح اللامعقول وغياب الأجندة الوطنية
أخطاء الماضي لا تبرر إعادة ذات الفعل المعيب
الإصلاح الأمني والهيكلة يمكن أن تتم بإرادة سودانية خالصة
(١)
في مقارباته الفلسفية، أورد د. زكي نجيب محمود رائد الفلسفة الحديثة في العالم العربي في كتابه (ما وراء الميتافيزيقيا) الطبعة الثانية ، ولتقريب المثال في رده على بعض منتقديه كتب ( ان ١+١=٢ هذه إجابة صحيحة وان ١+١=٣ هذه إجابة خاطئة، اما ١+١= نسيم عليل، فهذا كلام فارغ ولا قيمة له)، ويبدو ان للكلام الفارغ سوقا وساحة هذه الأيام، لقد كانت هناك بعثة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي (اليوناميد) ، وجاءت السودان مغالبة، اي ان الحكومة رافضة للفكرة واضطرت للتعامل معها كأخف الأضرار، وذلك بعد حملات التعبئة والتحريض التي قادها بعض سدنة الحكم اليوم وتآمرهم بالقوى الأجنبية والمنظمات المشبوهة، وبالجملة فإن للانقاذ أخطاء سياسية معروفة وخاصة في التعاطي مع قضية دارفور ولابد من الاعتراف بها.
والأمر الثاني ان هذه البعثة اي اليوناميد، كانت محدودة المهام والواجبات في دارفور،
والأمر الثالث انها كانت على وشك المغادرة وفق جدول محدد واظنه ينتهي في اكتوبر ٢٠٢٠م، واذكر ان د. مصطفى عثمان وزير الخارجية الاسبق قد قال (أن القرارات الدولية الخاصة بدارفور ألحقت من الأذى بالسودان خلال أشهر أكثر مما ألحقته الحرب في جنوب السودان طيلة أكثر من ٥٠ عاما). ثم إن خطأ حكومة سابقة لا يبرر إرتكاب ذات الفعل، بل وعليه زيادة كيل (مراح من الأبل)، إن ما يورده بعض الإخوة المدافعين عن هذا الخيار يبدو بعيدا عن المعقول والمنطق، وبالمناسبة فإن ٩٨ جماعة ومنظمة من جماعات الضغط تلك كتبت مذكرة الي د. حمدوك يوم ٤ مايو ٢٠٢٠م تطالبه باستمرارية اليوناميد.
ولكن الأمر لا ينتهي عند ذلك مع تكشف الوقائع.
وأول تلك الحقائق ان البعثة الجديدة والتي تحمل الرقم (٢٥١٩(٢٠٢٠) جاءت في ديباجة القرار انها تحت الفصل السابع وليس السادس، وهذه سلطة سياسية مطلقة وحق تدخل عسكري، و سابقة قانونية وسياسية، حيث تطلب دولة مستقلة بكامل إرادتها الركون والخضوع (للياقات) الأجنبية، وقد توسع د. الدرديري محمد احمد وزير الخارجية الاسبق في شرح تفاصيل هذا الجانب وقدم رؤى حصيفة وعميقة.
وثانيا : فإن هناك تحامل في كل فقراتها على المكون العسكري، وضرورة إعادة البناء والهيكلة، وأشد من ذلك مواقف أكثر ضبابية تجاه الدعم السريع، واتهامها بالكثير مما يجري في دارفور، واكثر مداخلات الأعضاء في هذه النقطة تحديدا، وربما احس الدعم السريع نفسه بهذه الإشارات والناطق باسمه صرح اليوم ان هناك ثلاث جهات تستهدفهم من بينها قوي سياسية وحزبية وأشار للحملات ضدهم، وغير خفي ان حملة تتشكل في الدول الاوربية لإصدار قرار بإدانة الدعم السريع.
وعلي اي حال فإن الحديث عن إعادة بناء المنظومة الأمنية، لا بأس به، فالحياة تتطور والراهن يشهد متغيرات عديدة، تستوجب التجديد والبناء، وإنما ينبغي أن يتم ذلك بإرادة وطنية ووفق المصالح الوطنية وأجندة مخلصة وليس وصاية أجنبية.
وثالثا : لم ترد اي إشارة للدعم او العون الاقتصادي كيفيته ومواقيته، بينما هناك استغراق في تفاصيل الجانب العسكري (٨٠٠ جندي)، وأكثر من (٢٥٠٠ شرطي احتياطي)، علما بأن من حق البعثة استدعاء قوات جديدة والاسطول الأمريكي يجوب البحر الأحمر، وربما يوظف اي عون او دعم اجنبي لهذه البعثة، أن اليوناميد كانت تصرف ما بين ٨٠٠ مليون دولار الى مليار دولار سنويا؟ فكم حجم الصرف للقوة الجديدة.
ورابعا: فإن السودان وموقعه محل منخفض خارجي، تتداخل المصالح وأجهزة الاستخبارات، وهذا أمر لا يمكن غض النظر عنه، وستكون القوة الدولية تجسيدا لهذه المصالح.
وعليه فإن هذه البعثة تمثل بداية إشعال حريق داخلي، وهى بعيدة عن أي مفهوم للإصلاح والبناء.
إن التجارب العالمية تؤكد هذه الحقيقة ويمكن استعراض ذلك في كل مكان حلت به هذه القوات والبعثة.
(٢)
غني عن السرد ان بعض القوى السياسية السودانية لديها عداء صارخ مع المؤسسات الأمنية في السودان، وربما تلك الهتافات البائسة ضد القوات المسلحة وضد الشرطة والحملات ضد الدعم السريع والأمن الوطني مقصودة، وتهدف لتشويه سمعة هذه المؤسسات.
ويتسق مع ذلك أن هذه القوى السياسية تربطها وشائج تواصل و(كفاح) مع بعض الحركات المسلحة، وكل ذلك يأتي في إطار مفهوم السودان الجديد.
واذا استدركنا ان هذه القوى السياسية زاهدة في اي خيار انتخابي، أو خيار شعبي حر، فإن الوقائع تبدو أكثر وضوحا، وهو السيطرة على المنظومة الأمنية وفرض وصاية قهرية وبإشراف اممي.
وقد فقدت هذه القوى القدرة على المبادرة وتقديم الرؤى الخلاقة، ودخلت في سلسلة خلافات َانشقاقات مشهودة ومعروفة، وحتي الحملة التي دعا لها رئيس الوزراء د. حمدوك لم تتجاوز عائداتها قيمة استئجار طائرة رحلة خارجية واحدة.
ومع ذلك فإن هناك بصيص امل، واخر ملاحظات حزب الأمة والإمام الصادق المهدي ابدي تحفظ على أربع نقاط (الإصلاح القانوني والقضائي، وتنفيذ الإعلان الدستوري، وإصلاح قطاع الأمن، وحماية المواطنين) وهي أبرز النقاط التي تصوب لها الإنتقادات.
(٣)
بلغ حجم التضخم في البلاد خلال شهر أبريل ٢٠٢٠م أكثر من ٩٨٪، ودون اي بصيص أمل يلوح في الأفق لمعالجة الإختلال في الشأن الإقتصادي، ومع حملة التشويه للقطاع الخاص، فإن الحالة تبدو أكثر قتامة، وكل حديث عن دعم أو معالجة هي محض تخدير.(وسنأتي للواقع الاقتصادي بتحليل خاص بإذن الله)
لقد تقدمت مصر بطلب الي صندوق النقد الدولي ونالت قرضا بمبلغ ٢ مليار و٧٠٠ مليون دولار مع ان ديونها الخارجية تتجاوز ١٠٢ مليار دولار ويفاوض الصندوق لبنان وديونه تقارب ٩١ مليار دولار، ولكن ااصندوق يرفض للسودان تخصيص أي دعم أو قرض، بل ان الاعتراض جاء من الولايات المتحدة الأمريكية كما تشير التقارير، إن هذا الموقف يستند على خيار سياسي وليس اقتصادي وبالتالي ان معالجة تحدياتنا ذات طابع سياسي.
وأول الخيارات السياسية هو وحدة الجبهة الداخلية وتعبئة الطاقات للإنتاج وليس الصراعات الواهنة والأحلام الصغيرة.
وهذا خيار مطلوب اليوم قبل أي وقت آخر، فالوطن فوق الأشخاص والكيانات.
الخبراء والأكاديميون والأساتذة والمحامون وكل شرائح المجتمع مطلوب توحدهم اليوم لغاية واحدة (الوطن)، لا ننسى قادة المجتمع الشعبي من علماء وزعماء وشعراء وأهل الفن، نتداعي لكف هذه (الجائحة) الاستعمارية والتي حان ضاق بها خيال التفكير تذرعت بتسلق شجرة الإلتجاء للقوة الأجنبية.