مقالات متنوعة

فرض عين


تصاعدت قبل فترة قصيرة وتيرة الإحتجاجات الاسفيرية على أداء حكومة حمدوك من قبل الموالين لها وهم السواد الأعظم من شعب السودان، نتيجة لإستمرار الأزمات المفتعلة التي طال أمدها، وفي اعتقادي أن ذلك يعتبر مواصلة للمد الثوري الذي كان نتيجته إجتثاث نظام قمعي فاسد ظل ثابتا لثلاثين عاما عجاف.
النقد الذي يتم توجيهه لآداء الحكومة من وقت لآخر، نتج من بطء عمل عدد من الوزارات والمؤسسات، وسيطرة شريك(ثقيل غير مرغوب فيه) على مجمل الأوضاع بالبلاد، مع صمت مُمَل ومقلق للشق المدني، ولكن يظل الثابت في كل ذلك هو الإيمان التام بقضية أصبحت هي مبتدأ وخلاص الشعب السوداني (حرية.. سلام وعدالة).
لذا ومنعاً لإستمرار حالة التململ والإحباط التي أصابت عدد غير قليل من المواطنين، على مسؤولي الحكومة الإنتقالية، إعادة النظر في اسلوب تعاطيهم مع الشأن السياسي والإقتصادي بدلاً عن التعامل ببرود يجلب عليهم السخط في قضايا مصيرية، فلم يعد ممكناً التراجع ولو خطوة واحدة للخلف، أقلاها إكراماً لشهداء قدَّموا أرواحهم مهراً لثورة التغيير الحقيقي، وأملاً في وطن يسع الجميع.

والتحركات المريبة لوأد الثورة وتقصير أمد الفترة الإنتقالية التي بدأت تتسع رقعتها وبات همسها ضجيجاً، لم تعد خافية على أحد، خاصة وأنها تجمع عناصر من المكون العسكري بمن فيهم عناصر النظام الساقط وبعض المهرولين نحو السلطة من أحزاب بالية، لأنه ووبساطة شديدة، هذه الثورة (محروسة) ولا يمكن اجهاضها كما يظن الطامعون الواهمون، وعلى (جميع حراس الثورة) بلا إستثناء أن يعلموا علم اليقين أنه متى ما حدث تراخٍ او تهاون، فإن الجميع وبلا استثناء سيعود لمربع واحد، هو مربع عودة النظام النظام السابق في شكل جديد. في ذات عقليته الدموية، الممتلئة غِلاً وحقداً على الشعب.
النظام القادم إن قُدَر له أن يأت على حساب ثورة ديسمبر (لا سمح الله) سيكون أشبه بالثور الهائج في مستودع الخزف، لن يهنأ معه الشعب السوداني ليلة واحدة مع (الحفلات الانتقامية) التي سيقيمها لكافة فئات الشعب، لن يكون هناك حاجز أخلاقي بينهم وبين إمرأة أو رجل، رضيع أو مسن، لن يسمحوا بوجود أي شخص يطالب بحياة حرة كريمة، لن يكن لديهم متسع من الوقت ليستمعوا لمطالب شباب ضاع نصفه، وهو يبحث عن وظيفة داخل أو خارج البلاد، والنصف الآخر ماتت عزيمته، واكتفى بدور الكومبارس في مسرح الوطن السليب.
لكل ذلك يجب أن يرتفع الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن، والعمل بقوة على أن لا تموت الثورة التي شجعها جميع محبي الحرية، وهتف بسلميتها العالم أجمع، فالحلم بدولة شريفة عزيزة بات قريباً، دولة ستكون كما تنبأ لها الجميع (سلة غذاء العالم)، دولة لا مساحة فيها لفساد او قمع أو حروب او جهل أو أمية.

دولة يكون همها تعويض مواطنيها سنين أهدرت من عمره وهو يتسوَّل حقه في التعليم المجاني، والعلاج المجاني، والحرية، والكرامة.
حماية الثورة من اعدائها فرض عين على وزراء يُفترض فيهم الكفاءة والقدرة على إدارة الأزمات المتراكمة بهدوء ووعي وإدراك بحجم المسئولية، وفرض عين على الشعب بالعمل على إبطال مفعول الفتن، ووأدها في مهدها، والإيمان القاطع بمن أتت بهم الثورة، والدفع بكل ما يؤدي بها إلى الخلاصات المنتظرة بمستقبل أفضل، ووطن يسع الجميع. شعلة الثورة يجب أن تظلَّ متقدة مهما كانت التضحيات، ومهما ارتفع ثمنها.

الجريدة