كربلاء السودانية .. الخيارات المتعددة للتوقيت !!
لا شك أن قرار وخطة فض الاعتصام بالطريقة التي تمت وأيا كانت الجهات المخططة والمنفذة لهي من أشد الخطط غباءا وحماقة في تاريخنا الحديث.
فأولا : ترك ذلك الحدث المأساوي جرحا غائرا في ذاكرة الأجيال لن تمحوه السنون ولا تعاقب العقود وربما يظل راسخا في الذاكرة الشعبية لمائة عام قادمة ، شيئا مثل كتلة المتمة ،مأساة غرق وتهجير حلفا ، وعدد ما شئت من مآسينا السودانية.
حين خرجت للشارع صبيحة يوم 29 رمضان ورأيت المتاريس والصبية وحتى الأطفال في حالة من الهيجان أدركت فورا أن الوجدان السوداني قد أصابته إصابة كربلائية أشبه بكربلاء الحسين.
إن كربلاء الحسين صارت مأساة متجددة ليس فقط لأن الحسين بن علي قتل في ذلك اليوم الحرام 10 محرم 61 هجرية ، بل لأن قاتليه لم يكونوا بحاجة أبدا إلى قتله ومن معه من مرافقين قلة من الشباب المقاتل والأطفال.
كانت مسيرة الحسين السياسية قد وصلت لنهايتها وعلم الحسين أن ثورة مبعوثه مسلم بن عقيل للكوفة قد تم إجهاضها وأن مكاتبيه قد خذلوه وسيوفهم صارت مع جيش عبيد الله بن زياد.
في كربلائنا السودانية فإن القلة القليلة الصادقة التي ظلت مرابطة ونائمة بساحة الاعتصام تشابه ركب الحسين بعدة وجوه.
فهم كانوا قلة صادقة ليس لها إنتماء حزبي سوى الانتماء الثوري الصادق النبيل البريئ والحلم بسودان وغد أفضل.
وتلك القلة كان يمكن حقا تفريقها بأقل درجة من استخدام القوة المنضبطة دون كل ذلك العنف والقتل والإذلال والذي كان واضحا أنه كان هدفا في حد ذاته.
وتلك القلة كانت مثل الحسين مخذولة من مكاتبيها وحاشديها ومستقطبيها ، فما فتئت الأسرار والفضائح تترى كل يوم عن اتفاقات مكتوبة أو ضمنية سكوتية بين من خطط ونفذ ومن هم في الشق المدني من تحالف الحكم الحالي.
أما لماذا صارت أعداد المعتصمين قليلة فلأن الاعتصام صار رمزية ثابتة محروسة بتعهدات صارمة بأنه لن يمس فصارت الأغلبية في ذلك الاسبوع الأخير من رمضان القائظ تذهب لبيوتها بعد تناول الإفطار وصلاة التروايح ، ولكن المؤكد أيضا أن ساحة الاعتصام كانت ستشهد أكبر تجمع لصلاة عيد الفطر في تاريخ السودان.
ثانيا : أثبتت الوقائع اللاحقة أن الأثر المرجو لعملية فض الاقتحام كان صفرا كبيرا وجاءت النتائج عديمة الأثر ، وجاءت مسيرات الثلاثين من يونيو 2019م التاريخية لتؤكد أن كل الشوارع ساحات اعتصام فلا فائدة من استهداف ساحة كبرى في العاصمة وساحات صغرى في الأقاليم.
ثالثا : التنصل والأنكار : تنصل يزيد بن معاوية من مسئوليته في قتل الحسين ، وألقى باللائمة على واليه على العراق وابن عمه عبيد الله بن زياد واستقبل ركب بقايا الأسرة العلوية من نساء وأطفال في بيته في دمشق وأقيم أول مأتم على الحسين في بيت يزيد بن معاوية ، وعلى مر القرون صارت المأساة موضعا للتنصل والاتهامات المتبادلة بين السنة والشيعة ، وكذلك صارت كربلائنا السودانية مسرحا للتنصل والاتهامات المتبادلة ، وكما لحق العار والجزاء الإلهي العادل قتلة الحسين بعد سنوات معدودة فأصابهم القتل واحدا تلو الآخر ، فإنه لا ينتابني الشك أن الجزاء الإلهي العادل سيحيق بكل من شارك في هذه المقتلة السودانية تخطيطا وتنفيذا وموافقة مكتوبة أو سكوتية.
خلد التاريخ كربلاء الحسين يوم 10 محرم فما هو التاريخ الذي ستسجل فيه كربلائنا السودانية ؟
29 رمضان ؟ كيف وفي هذا العام صرنا نشازا عن كل الدول المسلمة حولنا ولديهم اليوم 30 رمضان ؟
3 يونيو ؟ التاريخ الميلادي مرجع عالمي لا شك ولكن الذكرى والمأساة ارتبطت في الأذهان بشهر رمضان وقدسيته كشهر للصيام والقيام وفضائل الأعمال وماحدث من الإجهاض الفظيع لفرحة عيد كان سيكون من أعظم الأعياد.
رحمة الله ومغفرته ورضوانه على الشهداء والمفقودين حيثما كانوا وكانت أجداثهم.
كمال ? حامد.