رأي ومقالات

سياسة الهروب التي تمارسها وزارة الصحة هي سبب رئيس لازمة الدواء في السودان


حول إضراب الصيدليات..
أنا قلت مرات عديدة أن النقابات يتم تأخيرها بشكل متعمّد لصالح رؤي بعض السياسيين المستفيدين من غيابها بدلا من تكوينها لتمارس دورها في تأمين الثورة و تقوية خيار الحكم المدني، بالضبط كما تأخّر تشكيل المجلس التشريعي و المفوضيات.
أكثر من ذلك فإن الكيانات المهنية التي أنجزت الثورة يتم إختراقها و إفراغها من أي قدرة للفعل بل أي إدعاء بأنها تمثل نبض الشارع أو تعمل من أجل مصلحته ، الي الحد الذي أزعم بأن العمل خلال حكم البشير الأمني أهون في كثير من المجالات منه في زمن حكومة الثورة و لا أدل من الشلل الذي يعاني منه المكتب الموحد للأطباء و عجزه عن الإتفاق علي أي شيء في ظل أسوا كارثة صحية تضرب البلاد.
في نقاش الاخوة الصيادلة و مستوردي الدواء و مصنعيه عن الإضراب – و المقصود منه لفت الأنظار الي أزمة الدواء الخانقة – فإنه يُواجه بذات القدر من محاولات الإسكات و التخوين، و أخيرا الإستعطاف بأن المواطن فقط سيدفع الثمن. و كأنّ المواطن لن يدفع الثمن في سياسة الهروب التي تمارسها وزارة الصحة التي تدخل الوزير شخصياً لإلغاء الحلول التي وضعاها مجلس الصيدلة و السموم و إقالة أمينه العام، دون تقديم أي حل بديل، بل بدون حتي مقابلة الباحثين عن حل الذي وُعدوا بالإجتماع مراراً مع وزير الصحة دون أن يتم ذلك ،و بإستخدام الطريقة المعروفة و الإستراتيجية الموحدة : الغياب دون إعتذار أو تفويض، رجاء أن يأتي حلٌ ما من مكان ما، أو تصمد اللجان الإلكترونية “الجداد” في تبرئة الوزير و إختراع أسباب تنسب شح الدواء الي النظام الصحي المنهار، و الي إفلاس السودان بفساد الكيزان و بأسباب أخري شبيهة مفادها أن الوزير برئ و لا يحتمل شيئا من الذنب، و أن تاثير الكيزان هو أبدي سرمدي لا يمكن إيقافه و لا تقليله حتي لو كانت هناك حكومة ثورة أو لم تكن.
أما أن تبدأ أصناف الدواء في الإختفاء من الصيدليات في عبء إضافي لما يعانيه المواطن، فإن اللوم الجاهز للموت إن حصل فهو الكرونا، و تمضي كل الجهود لإخفاء الجريمة و تشتيت المسؤولية و ليس عن منع الجريمة أصلا.
هل أنا أؤيد الإضراب؟ و هل إطلعت علي تطمينات الصيادلة و مصنعي الأدوية و مستورديها لضمان أن المواطن لن يتأذي؟
ما أستطيع أن أؤيده هو نقاش حر لمصلحة البلد و مواطنها بدون خوف من التنمر و التخوين. و إبداء كل الحقائق للرأي العام و ذكر الفشل و التقصير مهما كان مصدره. و إن كان الإضراب لفتاً للنظر و ضغطا علي صاحب القرار ليسارع الي حله ، فإني أعتقد حينها أنه “لم يكن إلا الأسنة مركبٌ” و عليه تأتي الخطوة التي تليها.

د. عمار عباس