رأي ومقالات

مبارك أردول : معيار الكفاءة ”نجيبوا ليكم كفاءات من وين حبايبي”


اسمحوا لي أن أعنون المقالة بهذه العبارة والتي أراها تخدم حيزها رغم أنها لاتبدوا جدية لطرح مثل هذا الحديث.

ففي نقاشات جانبية متعددة مع استاذنا دكتور حامد البشير إبان زيارتنا الاخيرة لجنوب كردفان ذكر لنا تحليل بأن احد اسباب انخراط الشباب في النزعات الاثنية التي تشهدها الولاية هي ان نسبة الفاقد من عملية التعليم في ولايتنا (كنموذج لمناطق الحرب) او ما يعرف بالفاقد التربوي حوالي 88٪ ممن يدخلون الصف الأول الابتدائي (Drop out from the school)، يعني ان حوالي 12٪ فقط يصلون الي المرحلة الثانوية، بينما البقية تكون لأسباب معلومة سناتي إليها يكونون خارج حجرات الدراسة، وذهبت بعيدا في حساباتي الخاصة لكي اجد احصائية يمكننا أن نعتمد عليها لنحدد كم من هؤلاء ال(12٪) يصلون الجامعات، وبعدها نتقصي الأثر لنعرف كم منهم يتخرجون من الجامعات والأهم كم من هؤلاء يجدون وظائف في مجال دراستهم ويصبحون كفاءات مهنية يمكننا أن نعتمد عليها لنمنحهم الفرص للتوظيف في الفترة الحالية كما نسمع البعض يستخدمها لاعادة أعمال الموازين المختلة.

وفي تغريدة أخرى متزامنة لعزيزنا التعايشي عضو المجلس السيادي عند زيارتهم الي جنوب دارفور مع السفير عمر منيس وعند تخوم الولاية مع جمهورية أفريقيا الوسطى وجد إحدى زميلاته والتي لم تكمل دراستها وجدها (بائعة للشاي) ورغم ان من لم يفهموا مغذي التغريدة وما ارداه عزيزنا التعايشي من رسالة ليصلها إلينا اخذوها بسخرية وتهكم عليه وقال البعض انه تكبر وغيرها من العبارات، لسنا في معرض للدفاع عنه ولكن حاشاها تلك الصفات التي لم نراها فيه مطلقا، وإذا ذهبنا بعيدا بالسؤال الي السيد عضو مجلس السيادة كم من زملائه قد واصلوا التعليم؟ هل له ان يتذكر فقط جيرانه في الفصل من الصف الأول الابتدائي، كم منهم وصلوا الي المتوسطة وكم منهم وصلوا الثانوية وكم منهم الي الجامعة وهكذا؟ واخيرا كم منهم منح فرصة عادلة في التوظيف إبان المرحلة الماضية بمافيها هو نفسه؟ هذا المشهد الذي مر على السيد عضو مجلس السيادة ليس معزولا وإنما يتكرر عندنا كل يوم وكل لحظة وعند كل من جاء من تلك المناطق ومجتمعاتها خارجها في المدن الاخرى أجيال واجيال، بالحقيقة يعتصرك الألم عندما تشاهد زملائك سيما المتفوقين منهم/ن لم يستطيعوا إكمال دراستهم وبالتالي لم يخرجوا ليكونوا كفاءات وسيظلون ضحايا في هامش الحياة هكذا طول حياتهم؟ ليس لذنب جنوه او تقصير شابهم هم اكاديمي او تحصيلي وإنما لسياسات دولة خلفت هذه الاوضاع منها الفقر وعدم التوزيع التنموي العادل مما انتجت الحروب في مناطقهم وزاد عليهم وعلى أسرهم العبء اليومي فضحى اغلبهم من المواصلة في التعليم، كيف لنا أن نستعدل هذه المعادلات.

تنطبق حالة زميلة السيد عضو مجلس السيادة على أكثر من 95٪ من البنات ويزيد في مناطق الحرب ومجتمعاتها خارجها، ولكن ظل السؤال مطروحا عن حالة الشباب أين يذهبون اذا عرفنا بعض الشابات؟ هل ما ذهب اليه استاذنا حامد البشير من تحليل صحيحا؟ .

فمثلا في عهدنا في بداية التسعينات كانت الحرب في تلشي وتروجي وعبري وهيبان في اوجها وكانت ثقافتها العنيفة سارية بحيث كان لابد للاسرة ان يكون لها جندي في الجيش على الاقل حتى يحميها من تهم الطابور الخامس وربما تصفية احد ذويها، فضلا عن إن الجندي اذا حالفه الحظ في البقاء على قيد الحياة فإنه لربما يوفر القليل من لقمة العيش لاسرته، أستطيع القول ان مايقارب ال (70٪) من زملائنا الاولاد قد دخلوا الجيوش المتعددة حينها سيما استنفارات الدفاع الشعبي والمجاهدين والذين أصبحوا عطالين مسلحين لاحقا انخرط اغلبهم في النزاعات القبلية والقليل منهم استمر في تشكيلات الجيوش الحالية.

اما البنات فكانوا في بدايات دخولنا المدارس اكثر منا عددنا في الدخول وأكثرهن في التخلي عنه واسرعهن ايضا يمكنني القول ان حوالي (98٪) في جنوب كردفان لم يصلوا الجامعة ولم يتخرجوا، اصبحن عرضي للمشكلات الاجتماعية بسبب ثقافة الحروب وأكثرهن تعرضا لوزرها.

اكثر السياسات ايلاما وظلما هي ان هذه الفئات المختلفة المشارب والظروف يحكمها امتحان موحد الأسئلة والمواعيد لاجتياز المرحلة الثانوية ودخول الجامعة، وبدلا ان تقدم امتحانات الشهادة الثانوية الطلاب للحياة العامة كانت هي الفلتر الحقيقي الذي يسقط ويحجز الناجين من ظروف السياسات العامة من المواصلة في مشوارهم التعليمي.

بهذا السرد والاضاءات المحدودة التي نقدمها كيف تكون الكفاءات معيار عادل لتوزيع وتخصيص المواقع القيادية في الدولة بعد ثورة رفعت شعارات العدالة، من أين لهم بالكفاءات وكل الظروف لا تخدمهم بل أصبحت عملية ممنهجة لاقصائهم من المشاركة في حكم البلاد.

فمثلا إذا ما عدي الطالب كل تلك التحديات والعوائق التي ترست طريقهم ووصلوا لمرحلة التخرج فهذه اكبر معركة سيواجهونها وهي كيفية ان يمنح فرصة مع الخريجين الآخرين في التوظيف في مؤسسات الدولة، ففي العهد الماضي لعبت الحوائط الاسمنتية الايدلوجية (التمكين) والاثنية (صلة القرابة) حاجزا منعهم من العبور والدخول في الدوواوين الحكومية، باعتبارهم معارضة وتارة النزعات الاثنية التي يصعب عليهم ان يتخطوها، فبالله دلوني من أين لنا أن نأتي لكم بالكفاءات؟ كيف لنا أن ننادي بالمساواة في ظل ماضي غير عادل وفرص مختلة؟.

فالنجيب على هذا السؤال هل نحن نسعي لتحقيق معيار العدالة؟ اذا كان نعمل لذلك اذن فالنقسم المعالجات الي مستويات مختلفة، من حيث الأوضاع في مناطق الحروب ومجتمعاتها خارجها وبنيتها التحتية وسياساتها التعليمية ومراجعة سياسات التوظيف، سيما وانا هنالك مبدأ في اصلاح الخدمة المدنية في الوثيقة الدستورية تتحدث عن الإجراءات التفضيلية وهي منح درجات مختلفة لمن أعدمت الظروف المصطنعة والسياسات الممنهجة من ان تكون هنالك كفاءات، والا سوف نكرر سياسات السودنة منذ الإستقلال وتكرار المظالم بمبرارت جديدة….

مبارك أردول
صحيفة صوت الأمة


تعليق واحد

  1. حكومة الكفوات.
    التاريخ لم يرحمكم ونحمد الله كثيرا الذي فضحكم لنا في هذه السنه المرت من تاريخ السودان.
    لا دين لا عقل. قحت بهايم لسه إلا.