الجبهة الثورية و كوفيد الإنقسامات
إلامَ الخُلف بينكمُ إلاما و هذي الضجة الكبري علاما
و فيمَ يكيدُ بعضكمُ لبعضٍ. و تبدون العداوة و الخصاما
تراميتم فقال الناس قومٌ إلي الخذلان أمرهمُ ترامَي
،،،أحمد شوقي ،،،
✍️ بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة في إسقاط شجرة الإنقاذ الملعونة تتويجاً للنضال المتراكم منذ عقود ! ( و إن لم تجتث الجذور بعد ) إلا أن الجميع في الوطن عامة و أقاليم الهـامش خاصة ! و ضحايا الحروب الظالمة و جرائم الإبادة في دارفور و جنوب كردفان و جنوب النيل الأزرق بوجهٍ ” أخص ” قد إستبشروا خيراً بقرب ترفرف أجنحة السلام في ربوع الوطن العزيز و إنتهـاء عصر المأساة و الظلم التاريخي ،، إيذاناً بفجر جديد نغني فيه جميعاً لعهد الحرية و الحب و السلام و نودع معه ظلام الهـم الذي خيّم علي أبوابنا حيناً من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا ! و نرحب بصباح الحب و نقول له قرّب تعال ما تبتعد !!
✍️ و بينما كنا مشدوهين نراقب عن كثب قطار السلام الذي يعلو و ينخفض في طريق ” رمال السياسة المتحركة ” وسط التجاذبات المحلية و الإقليمية و الدولية ،، إذا بنا نُحاصَر فجأة بواسطة ” كوفيد ١٩ ” المسبب لمرض كرونا الفتّاك و الذي أدخل كل العالم في ( فتيل ) محكم الإغلاق لمدة ثلاثة شهور حسوماً و لا يزال مستمراً رغم تخفيف ( الأغلاق و الحجر الصحي ) !! كانت نتيجة هذه الجائحة اللعينة مئات الآلاف من الأرواح حتي الآن و ملايين من المصابين بالفيروس و تعطيل كامل للحياة و شلل لكل وسائل الحركة و التنقل !! توقفت علي إثرها سير المفاوضات في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان ” الحبيبة ” التي قطعت مراحل بعيدة في سبيل الوصول إلي الهدف المنشود .
✍️ و في الوقت الذي نكابد فيه الخروج من ( فتيل ) كوفيد ١٩ و تشرئب إعناقنا إلي رؤية قطار السلام و هو ينطلق بثبات نحو الغاية المنتظرة ،، إذا بنا نُفاجَأ ب ” كوفيد ” جديد لم يكن في الحسبان و هو الإنقسام المؤلم في الجبهة الثورية و خروج أحد مكوناتهـا من المظلة الجامعة في أحدث حلقة من الأنقسامات المتناسلة التي إعتادت عليها و خاصة بعض الفصائل أو المكونات التي لا تتعلم من تراكم خبراتها و لا تتعظ من تجاربها !! هذا ” الكوفيد الإنقسامي ” أصاب الجميع في مقتل و خيّم الأحباط و اليأس و خاصة علي اولئك البؤساء في مخيمات الذل و معسكرات العار الذين كانوا يأملون في قرب إندحار جيش الظلام أمام أشعة فجر الحرية و الخلاص ،، لكننا نقول و بالصوت العالي :—” إن من ينظر إلي الأمور في عام 2020 كما نظر إليها في العام 2005 فهو قد أضاع 15 عاماً من عمره ” فالخلاف في الرأي لا يمكن أن ينتهي دوماً بالفراق و التشظي لأن هذا نوعْ من الهوي و عدم الإحساس بالمسئولية التاريخية و ( آفة الرأي الهـوي ) كما يقول اكثم بن صيفي ،،، و الإختلاف في الرأي هو منعة و إثراء و لذلك قال العالم النفساني المعروف سيغموند فرويد : ” ما أجمل أن يكون لديك صديق يخالفك الرأي ، لأنه يهـتم بمصلحتك بصدق ”
☀️ عندما نتمعن في معنيً الحديث الذي رواه أنس بن مالك ” ثلاث هن مهـلكات ، شحٌ مطاعٌ و هويً متّبَعٌ و إعجابُ المرءِ بنفسه ” ندرك أن الإنقسامات بين الأصدقاء او الزملاء الذين يجمعهم نفس الهدف و الغاية هي نتاج إتباع البعض لأهواءهم و تمسكهم بآراءهم ( إبتغاءاً للمصلحة الشخصية ) !! و عدم إتقان فن التنازل و الحل الوسط أو إدراك بأن إختلاف الراي لا يفسد للود قضية و في الحكمة ” لا خلاص للإنسانية إلّا بإتحاد المقهـورين ” !! إذن نحن الآن أحوج ما يكون من أي وقتٍ مضي إلي الإتحاد و التعاضد حتي ننجز هذه المهمة التاريخية ” المؤلمة ” ليس لأجلنا بل لأجل أولئك المقهـورون المستضعفون في الأرض و لا تشعرون بهم ” كأنهم من هوان الخطب ما وُجِدوا ” و لأجل الأجيال القادمة لأن تأجيل المهـام الصعبة هي عقبة حقيقية في طريق الخلاص و تعتبر خسارة للوقت و العمر و الطاقة ! كما أن الخروج من المظلة الجامعة و روح الجماعة في هكذا ظرفٍ و توقيت بحثاً عن مكاسب شخصية زائلة هو دليل علي تدني السقف العقلي و ضيق الوعاء ، فضلاً عن إفتقاد الرؤية و نظرة رجل الدولة إستراتيجياً !!
✍️ في الحكمة ” إن من لا يقرأ التاريخ يكرر أخطاءه و لا يوجد أسوأ من الخطأ إلّا تكراره ” و كلنا نعلم بأن الذئب يفترس من الغنم المنفردة لذلك نقول للإخوة في طاولة التفاوض بمختلف مسمياتهم إن هذه القضية تخص الجميع و هناك ضحايا دفعوا الثمن و ما زالوا ينزفون و عليكم أن تكونوا أهـلاً للمسئولية و المهـام في هذا الظرف الإستثنائي و تنظروا للغد بحكمة و عقول مفتوحة بعيداً عن المآرب الشخصية و المكاسب الذاتية الضيقة و القرارات ” الصبيانية ” و منطق ( يا فيها يا أطفيها ) !! و يجب أن تعلموا جيداً بأن الأغلبية الصامتة يمكنها ركلكم خارج الحلبة و الأتيان بفرسانٍ آخرين يكونون ( قدها ) فلا تجعلوا لأنفسكم قدسية زائفة كما أن التاريخ لن يرحم ! هذا هو المنطق و نعلم بأنه ( لا يحتاج إليه الذكي و لا ينتفع به البليد ) كما يقول إبن تيمية ،،،،
فإغتنموا الفرصة التي جاءتكم بهـا الأقدار قبل فوات الأوان و هيا بنا إلي السلام المستدام
محمد الربيع
الراكوبة