مقالات متنوعة

الدواء ازمة لهاجذور والحل في العطاءات العالمية


قطاع الادوية الان يعاني من مشكلة حقيقية بسبب سياسات النظام المخلوع على مدى ثلاثة عقود ، وتجد الحكومة الحالية نفسها في ورطة وتبحث عن المخرج ، واعتقد انها بحاجة الى العودة الى الوراء لمعرفة كيف كان يسير القطاع تاريخيا وكيف انهار ، لتعرف من أين تبدأ وكيف المشكلة جزريا، فمشكلة القطاع تكمن في الفساد الذي سيطر عليه خلال عهد النظام البائد.
الحكاية تعود إلى 30 سنة عندما سيطر النظام المخلوع على السلطة وفتح جميع القطاعات لكوادره للسيطرة عليها ، وتلك قصة طويلة نكشف تفاصيلها هنا ، حيث نجيب على كيف كان حال قطاع الدواء قبل وصول النظام المخلوع إلى السلطة، وكيف بدأ يخرج من سيطرة الدولة إلى مافيات الادوية ؟وماهي المراحل التي مر بها حتى وصل إلى مرحلة الانهيار الكامل ؟.

خلفية تاريخية
في عهد الاستعمار تم تاسيس الامدادات الطبية وتحديدا في العام 1935 كمخازن مركزية للأدوية التابعة لوزارة الصحة الاتحادية، واصبح ﻳﺘﻢ ﺍﺳﺘﻴﺮﺍﺩ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻟﻠﺴﻮﺩﺍﻥ ،ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻹﻣﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﻟﻠﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻌﺎﻡ ، ﻭﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺷﺮﻛﺎﺕ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻟﻠﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﻭ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻢ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻹﻣﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ مباشرة الى ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺼﺤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﻔﺨﺎﻧﺎﺕ، وكانت الادوية تصرف مجانا للمواطنين ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻔﺤﻮﺻﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻴﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ
ﺍﺳﺘﻤﺮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻮﺍﻝ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﺗﻨﺎﻭﺏ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺎﺕ
ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻭﺣﺘﻰ ﻗﺪﻭﻡ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻹﻧﻘﺎﺫ 1989و
التي حولته الى هيئة تعمل تحت قانون الهيئات والشركات الحكومية عام 1991 وفي العام 2015م حولته إلى الصندوق القومي للإمدادات الطبية ،ولكن دور الصندوق لم يكن كبيرا في ضبط فوضى الدواء التي حدثت قبل هذا العام ولم يتغير الحال.
بداية التدهور
ﻓﻰ ﻋﺎﻡ 1990 ﺗﻐﻴﺮﺕ ﻛﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﻴﺔ ﻭﺍﻹﺩﺍﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺻﺐ
ﺑﻮﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍﻹﻣﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﻭﺃﺗﺖ حكومة الانقاذ ﺑﻮﺟﻮﻩ ﻭﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﻭﻧﻈﻢ ﺟﺪﻳﺪﺓ ضمن سياسة التمكين التي قامت بها الحركة الإسلامية ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﻐﻴﺮ القطاع من ﻋﺎﻡ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻮﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺆﺳﺴﺔ

ﺭﺑﺤﻴﺔ ﺗﺠﺎﺭﻳﺔ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻓﻰ ﺍﺳﺘﻴﺮﺍﺩ ﻭﺑﻴﻊ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻟﻠﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﺍﻟﺨﺎﺹ
ﻣﻌﺎ ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻴﺰﺍﺕ ﺍﻟﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ
ﻋﻼﺝ ﻭﻓﺤﻮﺻﺎﺕ ﻭﺩﻭﺍﺀ ﻣﺠﺎﻧﺎ ، ﻭﺻﺎﺭ ﻳﺪﻓﻊ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻜﺸﻮﻓﺎﺕ ﻭﺍﻟﻔﺤﻮﺻﺎﺕ
ﻭﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﻘﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺧﻠﻖ ﺍﺭﺗﺒﺎﻛﺎ ﻭﻓﻮﺿﻲ ﻓﻲ ﺗﻮﺻﻴﻞ ﻭﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ للمواطنين ،فقبل قدوم الانقاذ كان ﻳﺘﻢ ﺍﺳﺘﻴﺮﺍﺩ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻟﻺﻣﺪﺍﺩﺍﺕ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀﺍﺕ العالمية ، ﻭﺑﺪﻳﻬﻴﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ ﻣﺘﺪﻧﻴﺔ ،نفس الادوية أصبح يتم استيرادها ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ الذي أصبح ﺑﺄﺳﻌﺎﺭ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺃﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀﺍﺕ .
ما زاد الأمر سوءا كان ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻧﻘﺺ ﻭﺷﺢ ﻓﻰ ﻣﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻷﺟﻨﺒﻲ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺷﺤﺎ ﻓﻰ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻭﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ وظهرت مافيا الادوية ، ﻭﺫﻟﻚ ﺃﺩﻯ ﻟﺘﻬﺮﻳﺐ ﺃﺩﻭﻳﺔ ﺍﻹﻣﺪﺍﺩﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺳﻤﺎﺳﺮﺓ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ،وهذا ﺳﺎﻋﺪهم في اﻻﺗﺠﺎﺭ ﻓﻰ ﺃﺩﻭﻳﺔ ﺍﻹﻣﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔواستغلالها ﻭﺩﻣﺠﻬﺎ ﻣﻊ ﺃﺩﻭﻳﺔ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻭﺑﻴﻌﻬﺎ ﻓﻰ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻟﻠﻤﻮﺍﻃﻦ ﺑﻨﻔﺲ ﺃﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ.
هذه الفوضى فتحت شهية الكثيرون ممن كانوا ينتمون للحركة الإسلامية لدخول عالم تجارة الادوية ، فأسسوا الكثير ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ تعمل ﻓﻲ الدواء ، وتمكنت ﻣﻦ ﺇﺣﻜﺎﻡ ﻗﺒﻀﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎرته خاصة وأنها كانت تحت حماية مسئولين كبار في الدولة ، ﺃﻣﺎ

ﺍﻹﻣﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺿﺒﻄﻪ ﻓﻘﺪ ﺍﻧﻔﺮﻁ ﺍﻟﻌﻘﺪ، ﻭﺍﻟﻤﺸﻬﺪ
هذا المشهد بدأ من ﺍﻟﻌﺎﻡ 1990 وما زال مستمرا ، وهو ما يفسر ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻜﺎﺭﺛﻴﺔ ﻭﻣﺎ ﺁﻝ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ في السوق الاسود .
عجز الرقابة وتسيس القوانين
ﻣﺎ ﺯﺍﺩ ﺍﻟﻄﻴﻨﺔ ﺑﻠﺔ ﻋﺠﺰ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ، ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻤﻘﺪﻭﺭ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺑﻮﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ
ﻟﻸﺩﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻤﻮﻡ ﺃﻭ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﻠﻚ القيام ﺑﺪﻭﺭﻫﻢ ﺍﻟﻔﻌَّﺎﻝ وأصبحوا مكتوفي الايدي والسبب هو ضعف وهشاشة القوانين واللوائح وعدم ﻓﻌَّاليتها خاصة و أنها تعمل على إﺭﺿﺎﺀ ﻓﺌﺎﺕ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،ورغم المجهودات التي ظلت ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﻟﻤﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ
ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ بالأمور لم تتغير بسبب ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﺎت ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ التي جعلت ﺍﻷﻣﺮ ﻣﺴﺘﺤﻴل .

ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻴﺎﺩﻟﺔ ناضلوا واجتهدوا لإعادة الامور إلى نصابها وظلوا ﻳﻄﺎﻟﺒﻮﻥ ﺑﺄﻥ ﺗﻠﻐﻰ ﺭﺧﺺ ﺟﻤﻴﻊ تلك ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﻭﺇﺭﺟﺎﻉ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ
الى ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ولكنهم لم يجدوا اذانا صاغية وﺃﺻﻴﺒﻮﺍ ﺑﺎﻟﻴﺄﺱ ﻭﺍﻹﺣﺒﺎﻁ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺬﻱﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺗﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ، ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﻬﻨﺔ ﺍﻟﺼﻴﺪﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ السماسرة ومن ليست لهم علاقة بالدواء بعضهم ما زال يعمل فيها حتى الان .

هذا الوضع غير السوي لم يعجب اصحاب التخصص من الصيادلة مما أجبر الكثيرون على ترك المجال ومغادرة البلد نهائيا في الوقت الذي وجد الصيادلة من المنتمين الحركة الإسلامية فرصة كبيرة في التوسع في مجال تجارة الادوية ،
كما أن ﺍﻷﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﻴﺔ ﻟﻮﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﻻﺋﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻸﺩﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻤﻮﻡ ﻟم يكن بمقدورهم فعل شيء لالغاء تلك ﺍﻟﺮﺧﺺ ﻭﺍﻟﺘﺼﺎﺩﻳﻖ لتلك ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ، ﻷﻥ ﺟﺰﺀﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ مع قادة النظام ، إضافة الى خوف الاخرين ﻋﻠﻰ ﻣﻨاصبهم ﺃﻭ ﻋﻠﻰ حياتهم ﻣﻦ اولئك ﺍﻟﺘﺠﺎﺭ المدعومين من نفاذين في الدولة، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﻨﻮﻁ ﺑﻬﺎ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻗﺮﺍﺭ ﺇﻟﻐﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﻛﺄﻋﻠﻰ ﺟﻬﺔ ﺗﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﻟﻜﻦ هو نفسه عاجز عن فعل أي شيء لأسباب يعلمها الجميع.

الانهيار الكامل

في العام 2010 وصلت فوضى الدواء إلى قمتها واصبحت شديدة التعقيد بسبب تحكم تلك المافيات في السوق وفقدت الدولة السيطرة على قطاع الدواء تماما، ولم يعد لديها خطة لاستيراده وتوزيعه ، فظهرت الندرة والغلاء وبدأت صراعات محتدمة تظهر الى السطح ارتفع الحديث عن الفساد والجشع، ليس ضد الشركات فقط بل وحتى الجهات الحكومية المعنية بأمر استيراد وتسعير ودعم الادوية في البلاد ،وبدأت الفضائح تطفوا إلى السطح فضائح فساد ضخمة خلفت الكثير من الاسئلة بشأن مستقبل توفر الدواء وأسعاره ومن المسئول عن التلاعب به، وكثرت التصريحات النارية لبعض المسئولبن باتهام جهات تكتسب من الدواء دون مراعاة للمواطن، ورغم ذلك لم تقدم جهة على المحاسبة او اتخاذ إجراءات لتغيير الوضع.
البحث عن حل جذري ولكن
حاول النظام المخلوع بعد ذلك حل مشكلة الادوية جذريًا بتوفير نسبة عشرة بالمائة من عائدات الصادرات لاستيراد وتصنيع الدواء، ولكن ضعف الرقابة واستغلال النفوذ سهل للشركات التلاعب بهذه التسهيلات وحدث تواطؤ مع كبار مدراء الإدارات والبنوك ،وتم تكوين شركات وهمية لاستيراد الدواء فتحت لنفسها تسهيلات ومنحت شركاتها تصديقات من داخل البنك لتحول في حساباتها ملايين الدولارات كانت مخصصة للدواء بسعر البنك المركزي المعلن ، وآخرى تخلت عن استيراد الادوية وبدأت تستفيد من الميزات والتسهيلات التي تقدمها الحكومة في استيراد سلع أخرى وتوظيف الأموال في مجالات أخرى.
في النهاية بدأت الحكومة تعترف بوجود عدد من شركات الأدوية غير ملتزمة بجودة وحفظ الأدوية ومراقبتها ، فضلاً عن وجود أدوية مغشوشة وأخرى منتهية الصلاحية منتشرة بشكل واسع ، وبدأت تحذر وتقوم ببعض الإجراءات الرقابية ولكن كانت المحسوبية تقف حجر عثرة امام تنفيذ الإجراءات وتركت الأمر على ما هو عليه إلى أن سقطت.

معاناة دول الجوار
الفوضى التي عاشها قطاع الدواء خلال ع عهد النظام المخلوع ،لم تؤثر على السودان فقط بل وحتى على دول الجوار ،فقد نشطت تجاهرة الادوية عبر الحدود واتسع نطاق التهريب من وإلى السودان ، وهذا الأمر تضررت منه دول الجوار وقد دعت إلى إيجاد حل مشترك ،و ﻓﻰ ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 2014 ﺍﺳﺘﻀﺎﻑ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ
ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﻴﺔ بين اﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﺩﻭﻝ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭ ﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﻤﺮﺟﻮﺓ من التعاون المشترك ، ﻭﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﺘﻜﺮﺭ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ، ﻓﻘﺪ ﺷﻌﺮﺕ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ عن ﻋﺠﺰﻫﺎ ﻋﻦ ﺗﻘﻨﻴﻦ التعامل ﻓﻲ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺘﺎﺟﺮﺓ ﺑﻬﺎ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ وهناك جهات نافذة لا تريد حلا ، ولان ﻓﺎﻗﺪ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻻ
ﻳﻌﻄﻴﻪ لم يخدم ذلك المؤتمر القضية .
الوضع الراهن
ما زالت أزمة قطاع الدواء قائمة حتى الآن وربما أصبح واقعها غير مفهوم،والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا فعلت الحكومة الانتقالية لحل المشكلة ؟ حتى الآن لا شيء رغم أنها عقدت اجتماعات متوالية مع مستوردي ومصنعي الأدوية لضمان توفير الدعم اللازم لاستيراد وتصنيع وتوفير الأدوية حتى لا يحدث أي انقطاع يؤثر على الوضع الصحي، وترأس وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني، اجتماعات ضمت كل الجهات المعنية بالدواء واتفقوا فيه على معالجات على المدى المتوسط والطويل، بما يؤدي لحل المشكلة بشكل كامل.

وتضمنت المقترحات الحكومية توفير الطاقة للمصانع الوطنية، وتأجيل أجل سداد قروض المصانع على البنوك، والمساعدة في توفير المواد الخام لمصانع الادوية ،ولكن لم يتطرقوا إلى من يحق له العمل في هذا المجال ،وماماهي الشروط التي يسمح لأية شخص مزاولة التجارة في الادوية ،لأن تلك المافيات التابعة للنظام المخلوع ما زالت تسيطر على قطاع الدواء، ولكن على أرض الواقع لا جديد.

كما أن الحكومة لم تجاوب حتى على السؤال المهم ، ما هي مسئولية الإمدادات الطبية وواجباتها ؟ و السؤال الأهم كيف تضمن الحكومة التزام هذه الشركات المتعودة على العمل في ظل مناخ يسوده الفوضى وعدم المسئولية بأن تكون أمينة معها خاصة وان اغلبها مملوك لكوادر النظام المخلوع ويشجع الثورة المضادة ويسهم في زيادة الازمة .
الحل الأمثل في استيراد الدواء عبر العطاءات العالمية

يري الكثيرون من أصحاب الشأن والمختصين في مجال الدواء ،ان حل مشكلة الدواء لن تتحقق إلا بعودة الحال ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ – ﺑﺄﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻹﻣﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﺑﺎﺳﺘﺠﻼﺏ
ﺃﺩﻭﻳﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻭﺗﻮﺯﻳﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ وغيرها ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻖ
ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ، ﻭﺃﻥ ﻳﺮﺟﻊ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺎﺑﻘﺎً
ﺑﺄﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺎﺳﺘﻴﺮﺍﺩ ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻠﺰﻣﺎﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﻭﺗﻮﺯﻳﻌﻬﺎ
ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻴﺪﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺯﻋﻴﻦ ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﺩﻟﺔ
ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻣﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﻣﻊ ﺗﻔﻌﻴﻞ ﻭﺗﺸﺪﻳﺪ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﻲﺍﻻﺗﺤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻮﻻﺋﻲ .
التعاون مع دول الجوار وإعادة تكرار مؤتمر اﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﻴﺔ بين اﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﺩﻭﻝ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭ وجعله دوريا من أجل توسيع دائرة السيطرة على تجارة الدواء غير المشروعة.

اسماء محمد جمعة

الراكوبة