معتصم الأقرع: النار من مستصغر الشرر والحرب مبدؤها كلام
أعلنت قوي الشارع السياسي عن مسيرات 30 يونيو لتصحيح المسار وجاء الرد الحكومي امنيا مبالغا فيه . فقد قررت الحكومة قفل الكبارى والاسواق واغلاق العاصمة بإيقاف حركة المرور من باقي الأقاليم (لا قطع انترنت حتى الان). كما أعلنت عن اخلاء منطقة وسط الخرطوم وتفتيش الشقق والفنادق بـالأجهزة والكلاب البوليسية واكثرت الحديث عن المندسين والمتربصين والمخربين .
يأتي هذا الرد الشطط رغم ان المسيرات السلمية دعت إليها لجان الأحياء وايدتها أحزاب داعمة للحكومة ورغم ان الشارع حاليا تمتلكه اللجان والتنظيمات المعادية لدكتاتورية البشير والتي أثبتت مقدرتها على الفعل السلمي مهما كان الاتساع. في حين أن وجود الإخوان في الشارع السياسي لا يري بالعين المجردة رغم انهم موجودون كأفراد وأموال بدأوا في الانسجام مع منظومة الحكم الجديد.
ولكن الرد الهلوع من قبل الحكومة له ما يبرره أيضا لأنها تعي أن صبر الشارع قد اوشك على النفاذ وان رصيدها في تدهور. لا شك أن نفاذ صبر الشارع له عدة أسباب أهمها عدم إحقاق العدالة في مقتلة الشهداء وسوء إدارة الملف الاقتصادي الذي تجلي في الارتفاع المخيف في الأسعار وندرة السلع والخدمات الأساسية التي كان آخر فصولها شح الإمداد الكهربائي الذي أدى لتذمر غير مسبوق وسط أعداد متزايدة من فئات محظوظة نسبيا كانت تناصر الحكومة بالترويج والسكوت.
بنهاية شهر العسل بين الحكومة والشارع يدخل السودان مرحلة جديدة الخطر. ولكن ما زال بإمكان الشق المدني من الحكم ان يتحالف مع الشارع ويستقوي به لتعزيز المدنية وإقامة العدل فهذا خيار أفضل من التركيز على التناغم مع العسكر وبرامج التكيف الهيكلي التي تفاقم المعاناة الاقتصادية وتؤجج من انفجارات الشارع ضدها والتي ستتصاعد ما لم تراجع الحكومة خياراتها الاقتصادية المعلنة.
فالنار من مستصغر الشرر والحرب أولها كلام. أو كما قال نصر بن سيار:
أرى تحت الرماد وميض جمر
ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذكى
وإن الحرب مبدؤها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهام
د. معتصم الأقرع