مقالات متنوعة

الشعب يكسر حاجز الصمت

يوم واحد يفصلنا عن مرور عام على ذكرى موكب 30 يونيو 2019 والذي كان نقطة تحول في مسار الثورة السودانية بعد أن واصل المجلس العسكري (الإسلاموي) هوايته في نصب الشراك للشعب السوداني الذي أسقط نظامهم الفاسد. بوضعهم خطة خبيثة لإفشال المواكب بإستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، وإعادة فرض سيطرتهم على الشارع تمهيدا لاستلام السلطة.
الشارع كان لهم بالمرصاد وهو يقدم الثائر تلو الثائر مهرا للمدنية ورفضا لهيمنة وشمولية العسكر، ليشهد العالم أعظم ثورة فرضت على العسكر صاغرين التوقيع على الوثيقة الدستورية التي أعادت الأمور إلى نصابها ولو إلى حين.
بعد مرور عام كامل، لم يجد الشعب ما خرج للبحث عنه، فأعلن عن مواكب جديدة في ذكرى 30 يونيو يعيد بها الأمور إلى نصابها ويصحح من خلالها مسار ثورته ورفض نهجها الكسول ولن نقول العاجز، وضد حاضنتها السياسية التي انشغلت بصراعاتها الداخلية، سيخرج رغم المحاذير الصحية والمخاطر التي تهدد بالمزيد من الإصابات وربما الوفيات في ظل إستمرار إنتشار جائحة كوفيد 19 ، ولكن حماس الشباب وغضبة الحليم والخوف من سرقة الثورة كان أكبر من فكرة الموت بالكورونا.
رئيس مجلس الوزراء د/ عبدالله حمدوك، مطلوب منه السعى لإنزال برنامج الثورة لأرض الواقع، فسياسات حكومته غير المستقيمة فيما يخص معاش الناس، ونفاذ صبر المواطنين وإستعجالهم للعدالة المفقودة وإستمرار تواجد كوادر النظام البائد داخل جميع مؤسسات الدولة، خاصة الشرطية والأمنية منها، كفيل بأن يؤدى ذلك إلى طوفان ثالث لن يصمد أمامه أحد.
الشعب السوداني عُرف عنه الصبر والقناعة، ولكن حكومة حمدوك لم تعمل على إستغلال هذه الصفات بما يخدم سياساتها، ويبعدها عن شبح السقوط الذي بات يتهددها كثيرا.
فالمواطن كان سيكفيه مؤقتا مع عنت ومشقة صفوف البنزين والخبز وإنعدام الدواء وإرتفاع الأسعار، أن يرى أحد لصوص المال العام وهو يُساق لسجن، أو تتم محاكمته علنا محاكمة حقيقية وليس صورية.
كان من الممكن للشعب اللا يخرج صبيحة 30 يونيو لو لم تتباطأ الحكومة في حلحلة المشاكل اليومية المتعلقة بأمنه ومعاشه، وحال وجد أمواله المنهوبة وهي تُسترجع من اللصوص سواء أكانوا بالداخل او الخارج، وكان من الممكن جدا ان يغفر مماطلة لجنة التحقيق في مجزرة فضَ الإعتصام وما سبقها،او إويفاء الحكومة الإنتقالية بوعدها وهي تعيد قيادات النظام السابق ممن فروا هاربين عقب سقوط النظام، وتقديمهم لمحاكمات عاجلة وعلنية.
كان من الأجدى لحكومة حمدوك الإلتزام بوعدها الذي قطعته للشعب بإستعادة مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني الأسبق صلاح قوش من مخبئه السري بمصر أو جزر المالديف أوحتي من خلال زياراته (السرية) المستمرة للسودان، عبر البوليس الدولي (الانتربول) كما صرحت بذلك، أو حتى تحيط المواطنين علما بسير إجراءات الإستعادة بدلا عن حالة الصمت المريب التي تتعامل بها.
الشعب يريد أن يعرف مصير الأموال التي تحدث عنها السيد رئيس الوزراء ووزير ماليته، ووعدوا بإعادتها لخزينة الدولة، بجانب أرصدة رموز النظام السابق المجمدة، فهو يعلم تماما أنها كفيلة بحلحلة مشكلة السودان الإقتصادية ولو مؤقتا أو لحين إيجاد معالجات جذرية تؤدي لإستقرار الوضع الإقتصادي بالسودان، رغم أن ذلك لم يشمل الأموال المجنبَة لسنوات، وأموال الضرائب والجمارك والجبايات وغيرها من موارد تستخلص من جيب المواطن سواء أكانت برضاه أوغصبا عنه، ومن حقه أن يعلم أين تذهب وفيم تُستخدم، وينطبق هذا على اموال (القومة للسودان) ومؤتمر اصدقاء السودان الذي عقد قبل يومين!!
الشعب يحتاج أن يكون في أمان تحت رعاية وعناية أجهزته الشرطية والأمنية، التي يفترض فيها الوطنية، ولما إستحال ذلك في ظل وجود مدير عام للشرطة (غير مؤتمن)، وفي ظل وجود وزير داخلية هش، ومدير مخابرات من بقايا نظام المخلوع، وفي ظل عدم وجود رقابة ومحاسبة من المجلس التشريعي (المغيب) عن قصد، كان لابد للشارع أن يكسر حاجز الصمت الذي إستمر عاما كاملا. الحكومة وحاضنتها السياسية إن كانت جادة وحريصة في نزع فتيل الازمة ولإزالة حالة الإحتقان التي تزايدت بينها وبين الشارع، عليها بالشفافية فقط، فبغيرها لن تستطيع الحكومة أن تتقدم خطوة واحدة للأمام، فسلاح الإشاعة الفتَاك والتخوين والتشكيك بات هو المسيطر على الساحة السياسية. والشفافية هي الترياق الوحيد لهذا الداء.
الجريدة

هنادي الصديق