تحقيقات وتقارير

سد النهضة بين مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي


يعقد مجلس الأمن جلسة مفتوحة اليوم (الاثنين) لمناقشة قضية سد النهضة، بناءً على خطاب بعثته مصر إلى المجلس قبل عشرة أيام، انتقدت فيه إدارة إثيوبيا ملف السد، وطالبت المجلس بالتدخل. غير أن يوم الجمعة الماضي، وبالتزامن مع دعوة رئيس المجلس، فرنسا، إلى جلسة اليوم، انعقد لقاء قمة أفريقي مُصغر جمع قادة مصر والسودان وإثيوبيا مع قادة دول هيئة المكتب التنفيذي لرئاسة الاتحاد الأفريقي (الكونغو الديمقراطية وكينيا ومالي)، بدعوةٍ من رئيس جنوب أفريقيا، سييل رامافوزا، وذلك على نحو مفاجئ، ما يبدو جلياً محاولة لاستباق جلسة مجلس الأمن. توصلت القمة الأفريقية التي انعقدت عن بعد (بتقنية الفيديو كونفرنس)، إلى اتفاق على تشكيل لجنة فنية قانونية تمثل فيها الدول الثلاث والدول الأعضاء في هيئة مكتب رئاسة الاتحاد، إضافة إلى مراقبين دوليين (لم يُحدَّدوا)، وتتولى بحث النقاط الخلافية، والتوصل إلى اتفاق بشأنها. على أن يُنتهى من تلك المباحثات خلال أسبوعين، لتنتهي بعرض صيغةٍ للاتفاق المنتظر على قادة الدول الثلاث.

ما سبق هو الجزء المشترك بين البيانات الصادرة حول نتائج تلك القمة، لكن ثمّة نقاط ملتبسة تباينت تفسيرات الأطراف لها. مثلاً، أعلنت الرئاسة المصرية أن هدف اللجنة المشكلة “بلورة اتفاق قانوني نهائي ملزم لجميع الأطراف بخصوص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة”، وهو ما تجنبت الإشارة إليه إثيوبيا، وكذلك الاتحاد الأفريقي، حيث اكتفيا بالإشارة إلى “اتفاق” من دون وصفه بالنهائي أو القانوني أو الملزم. الأهم أن البيان المصري أضاف في الفقرة نفسها: “… مع الامتناع عن القيام بأية إجراءات أحادية، بما في ذلك ملء السد، قبل التوصل إلى هذا الاتفاق”، وهو ما معناه تعهد إثيوبي بعدم اتخاذ إجراءات أحادية بخصوص ملء السد، وهو ما لم يتضمنه بيانا رئاسة الوزراء الإثيوبية ورئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، إذ نصّا على إجراء المباحثات من خلال اللجنة القانونية الفنية، أسبوعين، بينما نصّ بيان الحكومة الإثيوبية على أن الملء سيبدأ بعد أسبوعين.

تكشف هذه الملابسات والمساحات الرمادية في التفاصيل كيف يفسّر كل طرفٍ ما يتم الاتفاق عليه كيفما شاء، فإما التفاهمات غير مكتوبة أو مكتوبة بشكل يحتمل الالتباس والتأويل، فلا تعهدات صريحة قاطعة، ولا قواعد أو مبادئ واضحة يُتفق عليها أولاً أطراً حاكمةً للتفاوض قبل أن تبدأ المباحثات.

وعلى الرغم من أن مصر بدأت متأخرة جداً في مخاطبة العالم واللجوء إلى المستوى الدولي للضغط على إثيوبيا، إلا أن هذا التحوّل بذاته، وقد تمّ على استحياء وببطء، يواجَه بمحاولاتٍ لقطع الطريق عليه أفريقياً، فدخول الاتحاد الأفريقي على خط الأزمة، في هذا التوقيت بالذات، لا هدف له سوى حماية الموقف الإثيوبي الضعيف وتغطيته، لتأمين مزيد من الوقت ومجال للمناورة أمام أديس أبابا، وهو ما تؤكده الاختلافات الواضحة بين بيانات وتفسيرات كل طرف لما تم الاتفاق عليه في قمة الجمعة. وكانت إثيوبيا قد طلبت، في وقت سابق، إشراك الاتحاد الأفريقي وسيطاً، ورفضت مصر ذلك، خشيةً من انحياز الرئيس الحالي للاتحاد، وهو رئيس جنوب أفريقيا.

لذا، سيركز الموقف الإثيوبي في جلسة مجلس الأمن اليوم على أن القضية يتولاها الآن الاتحاد الأفريقي بقبول مصر ورضاها، ولا حاجة لتدخّل مجلس الأمن، فإذا كانت القاهرة قد قبلت (لأسبابٍ غير مفهومة) إشراك الاتحاد الأفريقي، بعد أن ذهبت إلى مجلس الأمن بالفعل، فليس أقل من ربط المسارين ببعضهما، بل وأن يكون مجلس الأمن المظلة الدولية الأساسية لأي مباحثاتٍ أو اتفاقٍ أو أي تطورٍ لاحق في هذا الملف، كضمانة لعدم نكوص إثيوبيا لاحقاً، وتجنباً لأي تواطؤ أفريقي معها.

سامح راشد
العربي الجديد