مقالات متنوعة

نيرتتي تهزم عقلية الكآيبوي وتدشن حركة حقوق مدنية


تقع مدينة نيرتتي في تخوم جبل مرة من الناحية الغربية وتنعم بمناخ حوض البحر الأبيض المتوسط الباردة وبها شلال الفيل ونيلمو (ورق الشجر بلغة الفور) وأستراحه آثريه جميلة ترجع تشييدها في ١٩٥٤م على يد الانجليز ، يقصدها العرسان لقضاء شهر العسل والسياح من كل السودان قبل اندلاع الثورة المسلحة ، وهي

من أجمل مدن الإقليم وتُعد من المدن الواعدة لحركة السياحه في المستقبل اذا وجدت حظها في التنمية الكاملة وتطوير وإعادة تأهيل مواقعها الآثرية.

نيرتتي تعني بلغة الفور القطعة المغسؤله او النظيفة الخالصه تشبهً بجمال الطبيعة التي تتمتع بها المنطقة. ويقدر عدد سكانها حوالي ١٢٠ الف نسمه ويقطنها قبائل كثيرة الفور ، الزغاوة، التامة، البرقو، عرب وقبائل أخرى وهي تعتبر دارفور مصغر.

تعتبر نيرتتي حلقة وصل بين مناطق آعالي الجبل المنتجة للفاكهة كابلندوق وكتروم ،قلول ، بولنقا ومرتجلو والمدن السفلي كاكاس ونيالا وزالنجي .

محلية نيرتتي تتبع إداريآ لولاية وسط دارفور (زالنجي) وتفصلهما مسافة ٣٠ كليو متر، وتفصل بينها وعاصمة ولاية جنوب دارفور نيالا حوالي ١٢٨ ك. م.

دارفور من أقاليم السودان التي عانت من الحرمان التنموي والتهميش السياسي والثقافي والاجتماعي من قبل قوى المركز الاجتماعي التي ورثت مقاليد السلطة ومنابع الأقتصاد من المستعمر الانجليزي واقصت السودانيين في الأقاليم . هذا الاقصاء ينم عن قصر النظر وعدم إلالمام بمفهوم الدولة وبناءها وجهل بتاريخ شعوب السودان ونضالاتها المتوارثه حتى خروج الانجليز وحتمية تجدد الثورة كما حذر عنها الرجل الواعي ابراهيم البدري قبيل١٩٥٦/١/١ م.

الثورة السودانية لم تبدأ في ديسمبر٢٠١٨ /أبريل/٢٠١٩م كما يدعي البعض في محاولة لإخراجها من سياقها التاريخي والالتفاف عليها. أن المحاصصات البيوتية التي تتم في الخرطوم ليست في الحقائب الوزارية فحسب وإنما في كل مؤسسات الدولة، تلك المحاصصات هي احد أغراض الذين يدعون خرطومية الثورة . بالنسبة لنا فإن ديسمبر /أبريل هي زروة الانفجار العظيم للثورة السودانية التي عملت شعوب السودانية لأجلها سته عقود متتالية وقدمت لها أرواح كثيرة وتأففت عن أستقرار مزيف و ناقص من أجل الكرامة الإنسانية وحرية كاملة غير مشروطة ولا منقوصه التي أصبحت قاب قوسين او أدنى اذا ما تمعّنا النظر في إعتصام ثوار نيرتتي الذي يدخل يومه الثامن وإصرارهم على تحقيق مطالبهم المشروعة فى المساواة، والحياة وألامن والتنمية كما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة رقم ١ و٢ والمواثيق الكونية المرتبطة بحقوق الإنسان والفئات وكذلك الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقالية Transitional Document .

نيرتتي شأنها شأن كل القرى والمدن في دارفور ، وجدت حظها العاثر في انتهاكآت حقوق الإنسان وجرائم القتل خارج نطاق القانون وممارسات الأجهزة الامنية الموجهه لنشاط المليشيات، وليست دوريات نزيل الجنائية الدولية على كوشيب كانت ببعيدة من نيرتتي. الآن ثوار نيرتتي يدشنون حركة حقوق مدنية في السودان من قلب دارفور، كشمعه في وسط ليالي البحر الهالكة كوصفة الروائي الأمريكي إرنست همنغواي في رواية “العجوز والبحر” الذي الفه في هافانا.

إعتصام نيرتتي ومواكب ٣٠ يونيو الثانية يهزمان عقلية الكآيبوي التي لا تعرف سوا التمييز والقتل والاغتصاب والكذب من أجل ملذات السلطة. ما يُمييز إعتصام نيرتتي هو أنه أول حالة في الإقليم بعد سقوط نظام ألابادة الجماعية الذي فرض حالة حرب و حالة طواري لزهاء عقدين من الزمان ومما لها من تأثيرات سلبيه على الممارسة السلمية ولكنهم كسرو هذا الحاجز عبر إشتراك ابناءهم رسل الثورة (الطلاب) في ديسمبر /أبريل والآن يفعلونها من تخوم جبل مرة احد اكبر مرتفعات في العالم حيث يبلغ ارتفاعها 3 الف قدم فوق سطح البحر الذي غنى لجماله خليل أسماعيل وفنانة الثورة وأم الثوار المغنية مريم أمو بجانب فانيين كٌثر.

وفد الحكومة الإنتقالية من مجلسي السيادة والوزراء يترجلون من طائرة عمودية هليكوبتر في تراب نيرتتي لا لتوزيع السلاح والزخائر وتمليش القبائل هذه المرة كما كان يفعل مطلوبي الجنائية الدولية عبدالرحيم محمد حسين واحمد هرون، لكن هولاء الوزراء يمثلون حكومة الثورة ويتفاوضون مع ثوار نيرتتي حول مطالبهم. وصول الوفد الحكومي بهذا المستوي يعد أحد إنجازات الاعتصام الآني واتوقع له تداعيات إيجابية في مصير الحركة السياسية في البلاد ويصلح كنموذج يهتدي به لبلوغ النهايات المنطقية للثورة التي ما قامت لتنتكس وإنما لإحداث تغيير شامل يطال كل المفاهيم والمؤسسات القديمة لصالح الفقراء المهمشين وارساء قيم العدالة والمساواة واشاعة المحبه والتسامح بين الناس.

دولة السلام مهما طال السفر

الراكوبة