تحقيقات وتقارير

سد النهضة .. هل يفلح التحكيم الدولي في حل النزاع ؟


اعتبرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية أن سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي سيضاهي بمجرد اكتماله، ضعف طول تمثال الحرية تقريبًا وعرض جسر بروكلين، سيصبح بقليل من التعاون بين إثيوبيا والسودان ومصر نعمة على المنطقة جميعها، سيما وأن إنتاجه الكهربائي سرعان ما سيصل إلى 6000 ميجاوات، أي أكثر من ضعف الإنتاج الحالي لإثيوبيا، داعية إثيوبيا والسودان ومصر إلى تقديم تنازلات لتجنب الصراع.

اتهامات متبادلة:
واعتبرت المجلة اللندنية في تقريرها أنه على الرغم من المؤشرات الواعدة للسد، إلا أنه لم يثير إلا العداءات في الوقت الحالي، حيث ترى مصر، التي تعتمد على النيل في الحصول على المياه العذبة بنسبة 90٪ ، أن السد يشكل تهديدًا وجوديًا. فبعد وقت قصير من بدء بناء السد في العام 2011، اعتبر المسؤولون في القاهرة أنه عمل تخريبي. حتى أن الرئيس السابق فكر في قصف السد. فيما اتهمت إثيوبيا الشهر الماضي مصر برعاية الهجمات الإلكترونية لتعطيل المشروع.

ودعت “ذي إيكونوميست” الدول الثلاث إلى تقديم تنازلات لتجنب الصراع، وكانت الدول قد عقدت اجتماعات حول سرعة ملء الخزان، وكمية المياه التي سيتم إطلاقها، وكيفية حل أي خلافات في المستقبل. ولم يتم التوصل إلى اتفاق بعد. وتضمنت الجولات الأخيرة إعلاناً من قبل إثيوبيا بأنها ستبدأ في ملء الخزان خلف السد في وقت لاحق من هذا الشهر. فيما تعهدت مصر باستخدام “كل الوسائل المتاحة” لحماية مصالحها، معتبرة أنه سيتعين على جميع الأطراف تقديم تنازلات من أجل تجنب الصراع.

فقدان الثقة:
ونبهت المجلة البريطانية إلى فقدان الثقة بين الأطراف، فمصر التي يرى سكانها أن النيل حق فطري بالنسبة لهم. مع ارتفاع عدد سكانها، وانخفاض إمدادات المياه لكل شخص. لذلك، تريد مصر من إثيوبيا ملء خزانها ببطء وإطلاق ما يكفي من المياه حتى لا يتم إعاقة تدفق النهر، خاصة خلال فترات الجفاف. وتعتقد مصر أن إثيوبيا قد أطالت أمد المحادثات لكسب قوة مساومة مع تقدم البناء. حيث اكتمل بناء السد حاليا بنسبة 70٪.
وترى المجلة في تقريرها أن سلوك مصر الشرس أثار عناد إثيوبيا، حيث يسعى المسؤولون في إثيوبيا إلى تحقيق عائد سريع من استثماراتهم البالغة 5 مليارات دولار، معتبرين أن مصر لا تزال متمسكة بالماضي، والمعاهدات البالية التي سمحت لها بالسيطرة على مياه النيل، في وقت لا يحصل فيه نصف الإثيوبيين على الكهرباء.

ضغوط متزايدة:
تأمل الحكومة في أديس أبابا أن يخرج السد إثيوبيا من دائرة الفقر. لذلك تقول إنها ستبدأ في ملء الخزان باتفاق أو بدون اتفاق. فيما يواجه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ضغوطاً متزايدة لاتخاذ موقف متشدد، في ظل مواجهته اضطرابات خطيرة، واقتراب موعد الانتخابات في العام المقبل.
ولفت التقرير إلى أن السودان من جانبه يدعم المشروع الذي يقع على بعد 20 كيلومتراً من حدوده. باعتبار أنه سيحصل على بعض الكهرباء الرخيصة من السد. فضلاً عن أن المزيد من تدفقات المياه التي يمكن توقعها يمكن أن يساعده على زراعة المزيد من الغذاء. لكنه لا يزال يشعر بالقلق من أن قلة المياه المطلقة يمكن أن تؤثر على سد الروصيرص.

مخاوف كامنة:
ويقول الأطراف الثلاثة أنهم توصلوا إلى 90٪ من الاتفاق. حيث يمكنهم الاتفاق على ما يجب فعله عندما تكون هناك أمطار كافية. إلا أن الخلاف يكمن في كيفية إدارة السد في حالة الجفاف.

ترى اثيوبيا أنها مجبرة على تقليل احتياطاتها في فترة الجفاف، وتعتبر أنه يمكن حل الخلاف من خلال المفاوضات، ومراجعة ذلك على أساس سنوي، فيما ترغب مصر والسودان في التزامات حالية، وتفضل التحكيم الدولي الملزم لتسوية النزاعات.

وينبه التقرير إلى أن السياسات الحكيمة ستساعد على المدى الطويل، داعياً إلى تقليل إهدار المياه، ولجوء الدول إلى توليد الطاقة الشمسية لتقليل العبء على النيل.

ويشدد التقرير على حاجة الدول الثلاث إلى إبرام اتفاق حالي. فيما يجب على إثيوبيا أن تتعهد بالسماح بمرور المزيد من المياه خلال فترات الجفاف الطويلة. كذلك ينبغي أن يكون التحكيم الدولي حاضراً لتجنب الصراعات المستقبلية، ويمكن أن تقدم مصر تنازلاً من خلال طريق السماح للاتحاد الإفريقي بلعب هذا الدور. حيث يعتقد المسؤولون في القاهرة أن الاتحاد الإفريقي يفضل إثيوبيا، حيث يوجد مقر الاتحاد الإفريقي، لكن المجموعة الإفريقية تقود جهوداً لإيجاد صفقة تناسب الجميع.

وترى المجلة البريطانية أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق، فإن ذلك سيحدث تغييرًا مرحبًا به. فالعالم مليء بالصراعات حول الماء. ومن الصعب مشاركة الأشياء. لكن مشاريع مثل سد النهضة الإثيوبي الكبير تعد بفيض من الفوائد للبلدان التي تديرها.

ترجمة: سحر أحمد
صحيفة السوداني