عهد جديد للثورة
تابعنا خلال الأيام الماضية كيف تصاعدت وتيرة الاحتجاجات الاسفيرية على أداء حكومة حمدوك، وكيف ساءت العلاقة بينه وبين حاضنته السياسية (قوى إعلان الحرية والتغيير) بعد أن بدأ يتمرد عليها بصورة أزعجت المكونات السياسية بلا إستثناء.
وبالأمس إجتهد الرجل لمصالحة المكونات التي أتت به للمنصب التنفيذي الأبرز في السودان، فكانت مؤتمره الصحفي الذي أعلن خلاله ولاة الولايات الذي تأخر كثيرا عن موعده تحت أعذار في إعتقادي الشخصي غير ذات أهمية، وتحديدا الولايات غير الخاضعة لمساومات الحركات المسلحة.
تراجعنا في كثير من الأحيان عن النقد العنيف لحكومة حمدوك احساسا منا بالمسؤولية تجاه المواطن ومنعا لاختراقات قد تحدث من قبل النظام البائد. ولما لمسناه من ضجر في معظم ولايات السودان، مدنها وأريافها، عقب النجاح المفترض للثورة والذي يتبعه بلا شك إبعاد فلول النظام السابق عن إدارة شئون الدولة، وهو الدور الذي لم يقم به الولاة العسكريون الذين عملوا على تمكين منسوبي النظام السابق أكثر من ذي قبل، ليأت الولاة المدنيين الجدد لعمل فلترة و(غربلة) في العاصمة والولايات، ليحكموا سيطرة الثوار على الولايات بدلا عن الفلول.
لذا لم يعد ممكناً التراجع ولو خطوة واحدة للخلف، إكراماً لشهداء قدَّموا أرواحهم الغالية مهراً لثورة التغيير الحقيقي، أملاً في وطن يسع الجميع. وللتأكيد على عدالة القضية التي طالبت بها جميع فئات الشعب السوداني، بإستثناء المستفيدين من النظام السابق.
ويبدو أن الجميع بمن فيهم حمدوك بدأ يستشعر بأن الثورة لا يمكن أن يتم اجهاضها كما حدث من قبل في عدة محاولات يائسة، لأنه متى ما حدث تراخٍ، فإن الجميع وبلا استثناء سيعود لمربع واحد، هو مربع عودة النظام النظام السابق ولكن في شكل جديد. في ذات عقليته الدموية، الممتلئة غِلاً وحقداً على الشعب.
متى ماتم التفريط فيما تحقق من مكاسب، أو تم التلاعب عليه سيكون إنتحارا سياسيا لمن ساهم في ذلك، لأن من سيأت بعد ذلك سيكون أشبه ب(الثور الهائج في مستودع الخزف)، لن يهنأ الشعب السوداني ليلة واحدة مع (الحفلات الانتقامية) التي سيقيمها ليل نهار ليجهز بها على الشعب.
لن يكون هناك حاجز أخلاقي بينهم وبين كبار السن، وربَّات البيوت، لن يسمحوا بوجود أي شخص يطالب بحياة حرة كريمة أسوة ببقية (خلق الله)، لن يكن لديهم متسع من الوقت ليستمعوا لمطالب شباب ضاع نصفه، وهو يبحث عن وظيفة داخل أو خارج البلاد، والنصف الآخر ماتت عزيمته، واكتفى بدور الكومبارس في مسرح الوطن المستلب.
على الولاة الجدد أن يعوا تماما أنه لا تراجع بعد اليوم ، وأن الثورة ستشتعل جذوتها منذ إعلان أسمائهم لأنهم سيمثلون شهدائها وثوارها وليس أنفسهم ولا أحزابهم.
عليهم يقع عبء سقي بذرة الثورة التي شجعها جميع محبي الحرية في ولاياتهم، وهتف بسلميتها وأدبها كبار الإعلاميين بالعالم، لا يجب أن يجهضوا حلم شعبهم، وحلم دول تمنَّت أن تعود للسودان سمعته، حماية الثورة من اعدائها فرض عين على الولاة المدنيين وعلى جميع أفراد الشعب السوداني، والمشاركة لا تعني الخروج للتظاهر فقط ولا الاحتجاج عبر الوسائط، بقدر ما تعني الإيمان بالثورة، والدفع بكل ما يؤدي بها إلى الخلاصات بمستقبل أفضل، ووطن يسع الجميع. شعلة الثورة يجب أن تظلَّ متقدة مهما كانت التضحيات.. ومهما ارتفع ثمنها.
نتمناه عهد جديد للثورة ، عهد يشبه عباس وكشة ودودو وعبدالعظيم، عهد تنتهي فيه سيطرة الجنرالات على ثورة الشعب.
الجريدة
هنادي الصديق