مقالات متنوعة

وثائق أمريكية عن منصور خالد: تعليقات سودانيين

في الشهر الماضي، في الحلقة رقم (52) من هذه الوثائق الامريكية عن نميري، وردت وثائق عن منصور خالد تحت العناوين الآتية:

هدفه الأعلى: الأمين العام للأمم المتحدة.

لماذا فشل، واصابه الإحباط؟

من هو “محجوب” الذي ساهم في فشله.

——————

اثارت الوثائق تعليقات بعض الاخوان السودانيين.

أولا، ملخص الوثائق، ثم التعليقات:

——————–

ملخص الوثائق:

9-1-1978: من السفير في الخرطوم، الى وزير الخارجية:

“أبلغنا فرانسيس دينق، وزير الدولة للشئون الخارجية، ترشيح حكومة السودان لمنصور خالد لمنصب جديد وهام في الأمم المتحدة: المدير العام للتنمية والتعاون … “

26-1-1978: من وزير الخارجية الى السفير في الخرطوم

جاء فيها الآتي: ” … لعلمكم أنتم فقط، نود ان نقول ان الإحساس في أروقة الأمم المتحدة هو ان ترشيح خالد قد احرق نفسه. وذلك للأسباب الآتية:

أولا: تحمس حماسا زائدا (اوفرزيلاص) السفير السوداني في دفع ترشيح خالد.

ثانيا: أيضا، تحمس حماسا زائدا عندما ركز على زيادة راتب المدير العام المتوقع.

ثالثا: نرفق لكم رأي غانا، التي قدمت مرشحا منافسا …”

بتاريخ 12-2-1978: من وزير الخارجية الى السفير في الخرطوم:

” … لكن، ليست في مصلحة خالد الحقائق الأتية:

أولا: ينظر إليه كعربي. ومع إحساس عام هنا بأن الدول العربية تتمثل بأكثر مما تستحق في الأمانة العامة للأمم المتحدة.

ثانيا: أثر على ترشيحه “اوفرزيلاص” (حماس زائد)، و “بريشر تاكتيكز” (تكتيكات ضاغطة) من جانب سفير السودان الذي اشترك في اجتماعات إعادة هيكلة الجهاز الاقتصادي …

رأينا:

أولا: يوجد اعتقاد قوى في أروقة الأمم المتحدة أن منصب المدير العام للتنمية والتعاون الجديد يمكن ان يكون خطوة نحو منصب الأمين العام للأمم المتحدة.

ثانيا: يتوقع، مع نهاية فترة الأمين العام فالدهايم، الأوربي، اختيار امين عام من دول العالم الثالث.

ثالثا: ليس سرا هنا أن فالدهايم يخشى اختيار شخصية قوية لمنصب المدير العام للتنمية والتعاون، تنافسه، حتى قبل نهاية فترته. وعلمنا ان فالدهايم، خلال مشاورات إعادة هيكلة الجهاز الاقتصادي، كان حريصا على تخفيض مسئوليات المدير العام للتنمية والتعاون.

رابعا: لهذا، نتوقع ان يختار فالدهايم شخصية يعرفها، ويثق فيها …”

—————-

التعليقات:

فاروق عبد الرحمن، سفير سابق، مقيم في لندن:

“… بعد عام ونصف في لندن، نقلت الى نيويورك، فوصلتها في أغسطس، عام 1977، في بداية الحملة من اجل فوز منصور بالمنصب …

حشدنا في معركة الترشيح مجموعة من زملائنا الماهرين في هذا المجال من السفراء. مثل: يوسف مختار. وابراهيم طه ايوب (قادمين من الخرطوم). وعبد الله محجوب سيد احمد (قدم من جنيف). والمستشار الثقافي حسن ابشر الطيب (قدم من واشنطن).

بالإضافة الى اعضاء البعثة في نيويورك، التي ضمت في عضويتها اثنين من زملائنا الجنوبيين الواعدين (سفيرين فيما بعد): اشول دينق، وشارلس مانيانق …

لكن، جاءتنا، في اخر لحظه، برقيه مفاجئة من الخرطوم، قالت ان منصور، الذي بالطبع كان موجوداً معنا في نيويورك، ليس بمرشح حكومة السودان، ولا يمثل الا نفسه.

اضاف عليها فيما بعد السفير مصطفى مدني، المندوب الدائم في نيويورك آنذاك، ان على الجميع رفع ايديهم عن هذا المسعى، الذي كنا قد امضينا فيه أكثر من شهرين، واوشكنا على قطف ثماره.

عندما اطلعت على تلك البرقية الغريبة صباح ذلك اليوم، لم اصدق، للوهلة الأولى، ما جاء فيها. حتى تأكدت، بعد القراءتين الثانية والثالثة لها، انها واضحة جداً.

فاتجهت الى مكتب السفير مصطفى مدني. لكنه لم يكن موجودا في مكتبه، لعله كان ذهب الى الرشيد الطاهر، نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، الموجود في نيويورك. والذي كان يعلم بما كنا نبذل من جهد.

اخطرت منصور بما جاء في البرقية، ولم يصدق هو الاخر.

كما لم يصدق السفير عبد الله محجوب، الذي كان هناك ايضا.

كنت اظن ان السفير مصطفي مدني لم يعلم بالبرقية. لكن، فيما بعد، عرفت بان الكاتب في السفارة اطلعه عليها هاتفيا في الليلة الماضية.

هب منصور منزعجاً كما لم اره في حياتي، مستنكراً ومستغرباً. وقال: سأذهب فوراً الى الرشيد الطاهر.

وفعلا، غادر المكتب برفقة السفير عبد الله محجوب،

لكن، كان الفأس وقع في الرأس. وحلت المصيبة. وعرف الجميع ان السودان سحب مرشحه، ليفوز المرشح الوحيد الاخر، مرشح غانا، كينيث دادزي.

فقد منصور الوظيفة. واعيد حسن ابشر، وعبد الله محجوب، كل الى محطته. وكانت الخرطوم نصيبي …”

—————–

عبد الله عباس، سفير سابق:

“السفير المشار اليه هو المرحوم عبد الله محجوب. وكان وقتها نائب المندوب الدائم في نيويورك. وكنت انا قائما بالأعمال في جنيف. وكنا نتابع ترشيح منصور.

لعل أحد اهم عوامل عدم حصول منصور على المنصب كان رغبة كيرت فالدهايم (الأمين العام للأمم المتحدة) في ان يختار شخصا يقدر على السيطرة عليه.

وفعلا، اختار الغاني كينيث دادزي. وكان الغاني لعب دورا بارزا في المفاوضات حول تأسيس المنصب …

بعد عزل منصور من منصب وزير الخارجية، اتخذ الرشيد الطاهر، الذي صار نائبا لرئيس الجمهورية، ووزيرا للخارجية، موقفا غريبا، حيث أخطر الامين العام للأمم المتحدة ان منصور لم بعد مرشح السودان للمنصب …

وعلمنا ان فالدهايم قال ان منصور “وحش سياسي”، وان المكان لا يتسع لاثنين مثليهما.

في ذلك الوقت قال لنا منصور ان فالدهايم صاحب ماضي نازي. وقلنا ان منصور قال ذلك بسبب غضبه على فالدهايم. لكن لاحقا عندما أصبح فالدهايم رئيسا للنمسا، وواجه حملة صهيونية شرسة، تأكدت لنا مقولة منصور …”

—————–

بكري عثمان، طبيب مقيم في بريطانيا:

“عند قراءتي “وثائق أمريكية عن نميري”، توقفت عند الاسباب التي حالت دون تعيين الدكتور منصور خالد في ذألك المنصب المرموق في الامم المتحدة.

منها إن الهوية السودانية ليست واضحة في أروقه ذألك المنتدى العالمي الكبير.

وان “تناقضات انتماء السودان الي المجموعة العربية، والمجموعة الأفريقية” تخلق أزمه في هذه الشخصية السودانية.

وان العرب يترددون في قبول السودان في ناديهم.

فعلا، في جامعه الدول العربية، عارضت بعض الدول قبول السودان فيها.

ليتنا لم ننضم إليهم.

وليتنا عملنا بنصيحه الشهيد محمود محمد طه، الذي قال إن السودان إذا انضم الي جامعه الدول العربية، سيصبح جزءا من وزاره الخارجية المصرية.

نحن أفارقة. ويجب أن نفتخر بهذا الانتماء.

وها هو السودان الجديد يسترد الثقة بنفسه. وفي شموخه، يقف صوب أفريقيا ليعانق القارة السوداء، ويعود الي أحضان تلك الام الرؤوم …”

=========

عبد الرحمن الأمين، صحفي مقيم في واشنطن:

” … أحس الدبلوماسيون (السودانيون في نيويورك) أن شيئا ما ينسج في الخفاء عندما دعاهم السفير مصطفي مدني (سفير السودان في الأمم المتحدة) الي اجتماع غير مألوف. وبخهم فيه على تفرغهم وانصرافهم لدعم ترشح منصور خالد للمنصب الأممي، وجعله شغلهم الشاغل.

تحامل مدني عليهم، ومضي في تقريعهم، واتهمهم بإهمال أعمالهم، والتغافل عن تواجد نائب رئيس الجمهورية، ووزير الخارجية الجديد (الرشيد الطاهر) في نيويورك.

لكن، ما خذل أولاد منصور منصورهم. أسمعوا مصطفي مدني مالم يكن في حسبانه …

رغم مرور كل هذه السنوات على هذه الواقعة، إلا أن موقف السفير مصطفي مدني من ترشيح الدكتور منصور خالد لايزال مثيرا للجدل والاستغراب.

من منظور ما تهيأ للرجلين من قواسم مشتركة، كان يُفترض توافر نصيب زاخر مما جمعهما، يفوق حصاده ما فرق بينهما. فهما يرتبطان بوشائج غائرة العمق بالراحل جمال محمد أحمد. فالسفير مدني متزوج من كريمة المفكر والأديب الكبير. بينما منصور تلميذ ممنون بتلمذته على يديه، معترفا له دوما بعرفان أستاذيته …
إنهمك أولاد منصور في ترتيب الكثير لرجل عرفوا قيمته. فقد سخّر السفير عبد الله محجوب سيد احمد صلاته بالمجموعة الأوروبية وجيّرها بذكاء لصالح صديقه منصور خالد ضد منافسه الغاني …
انشغل الرشيد الطاهر، وسفيره مدني، ليس فقط بتطمين منصور خالد بأن وصول برقية الترشيح أمر مفروغ منه. بل، أوهماه أنهم أعدوا خطة كاملة لاستقطاب كل دعم له … كلما سألهم عن سبب تأخر وصول برقية الترشيح، طمئنوا الرجل باختلاق المعاذير، وتظاهروا بإرسال استعجالات وهمية للخرطوم …
في اليوم الموعود، وصلت برقية مشفرة يُراد لمحتواها أن يكون سريا، وأن يُبلّغ لرئيس البعثة، ومنه للوزير … فك المسؤول الشفرة، وعندما حضر السفير فاروق عبد الرحمن الى مقر البعثة في التاسعة صباحا، وقبل أن يدخل اجتماعه اليومي مع طاقمه الدبلوماسي، سلموه البرقية. فكانت صاعقة من صواعق برق البطانة العبادي.

تقول البرقية، في زبدتها: “لعلمكم، فإن الدكتور منصور خالد، المتواجد معكم في نيويورك، لا يمثل إلا نفسه، ولا علاقة للسودان بهذا الترشيح الذي لا يعني السودان في شيء.”

حضر منصور لمقر البعثة الدائمة قبل الظهيرة. وذهب فورا الى مكتب المندوب الدائم، السفير مصطفي مدني، الذي يحضر عادة بعد انتصاف النهار. سبقه لذات المكتب السفير الزائر عبد الله محجوب سيد احمد.

سأل منصور عن آخر الاخبار، فنادوا علي نائب رئيس البعثة، السفير فاروق عبد الرحمن، يستطلعونه المستجدات. صعد إليهم السفير فاروق المذهول من هول المفاجأة التي بين يديه … دخل، وسلّم الشفرة المحلولة للدكتور منصور خالد.

إنه الفصل الأخير في المؤامرة. فقد علم منصور خالد، الان فقط، أنهم سحبوا ترشيحه، نعم … تخلت عنه بلاده!

نسي المتناحرون في الخرطوم مصالح السودان، وانصرفوا لتصفية حسابات قديمة مع خصمهم، فطرحوه أرضا أمام العالم المساند له. ومنعوا عنه ورقتهم الاجرائية في وقت تفعل الأمم الأخرى المستحيل للظفر بمنصب أممي هام مثل الذي قرروا حجبه عن منصور.

بل أن دولة مثل الجزائر، ساءها ما حدث، وأخجلها ماجري. عرض وزير خارجيتها آنذاك، عبد العزيز بوتفليقة، وهو رئيسها الحالي، على رئيسه هواري بومدين أن يسعوا بالوساطة للأمين العام لفعل شيء بترشيح منصور لمنصب آخر.

لكن، رفض منصور المتقرفص وحيدا على مائدة اللئام …”

———————

الحلقة 53: منصور خالد يصاب بإحباط، ويرفض منصبا وزاريا

محمد علي صالح

الراكوبة