مقالات متنوعة

همهمات على لقاء الحزب القومي برئيس الوزراء د. حمدوك


وأخيراً، وبعد وهدة وترقب عكست وسائل الإعلام مقابلة رهط من قيادة الحزب القومي السوداني رئيس وزراء حكومة الثورة د. عبد الله حمدوك، لا أدري لماذا أرْجَأَ هذا الحزب التاريخي هذا اللقاء كل هذا الإرجاء، ونحن –كشاهدين حياداً على الحدث السياسي- كنا نتوقع ثورته وعنفوانه، على خزي الإزراء، ومرارة الإقصاء، الذي سامته إياه حكومة ثورة هو قمين بالاستواء على صهوتها والنوال من قصعتها، فقضية شعبه الذي أسلسه القيادة أرهقت خصمها نضالاً وأجْثته صراعاً ، وهو حزبٌ يرقد على إرث نضالي جليل، فبعد أن تناهت إلى حوضه نضالات شعبه من أجل آدميتهم التي أُنكرت مئات السنين، ابتدرت الحزب المرحلة ففتق صخرة سجن إنسانه سنة 1964 فحرر الرهين محلقاً في فضاءات الحرية، فأضاف للإنسانية مجداً، فأهداه شعبه مقاعده حكراً، فتولى المرتبة الرابعة في برلمان 1986، وصام عن شهوة الحكم في موائد الإنقاذ، فتربص معارضا ليقبض الريح بعد الثورة، فهو أحد مكونات تحالف نداء السودان، لكن حينما سفرت حكومة الثورة كان خلوا من مقاعدها، ثم أعلن حكام الأقاليم وهم خلواً منها، بينما نالت أحزابٌ نوالاتها الضخمة، وهي لم تلج البرلمان ولا مرة في الدهر، فماذا نسمي هذا، أتهميشٌ بعد الثورة!

وقعت الحركة الشعبية الآن مع المغادرين من تجمع المهنيين، بعد أن ثملوا من دنان السلطة حتى عافوها، لنرتقب المستقبل الذي أدمن خيانتنا، فكم جثونا على النيران صبراً، وأعين أطفالنا تغازل شمس الشروق وعداً، فإذا أشرقت لم نجد ملامح أعيننا فيها، لنستأنف تلمس فجر جديد، لم نجد في شمس أكتوبر إلا غسقاً، ولم نجد في شمس إبريل إلا جيفا، ولم نجد في شمس ديسمبر إلا خلبا، لكننا كنا دائماً نجد وعداً عزيز التحقيق، فالآن كفرنا بالغد وآمنا باليوم، فنحن الآن أبناء اليوم، فخطوة الحزب هذه التماسا لليوم.

لو كان لي من الأمر شيء لألزمت الحزب القومي السوداني فراق الحرية والتغيير وإغناء العقد الاجتماعي الذي طرحه الإمام الصادق المهدي، لأنه قال بالأوزان الحقيقة للأحزاب، فكأنه يعنيكم، وهو يعرف حجمكم، فلا ينبغي أن تتعبد إلهاً لا يكفلك، لكنكم تصطبرون على الأذى.

الحزب القومي هو الذي أشار لشعبه بالاصطفاف خلف الحركة الشعبية نضالاً قبل أن يُفوض قائدها في تمثيل شعبها، هذا سخاء سياسي منعدم حتى في أكناف “فأدر له خدك الأيسر” في عالم المثل، مما جرَّأ أصحاب الواقعية اتهامه بالسذاجة السياسية، لكني أفهم موقفهم غير هذا الفهم فالقضية عندهم هي المقدسة والأحزاب عندهم أدوات، فقدم المقدس على المدنس ليرضي قضية شعبه، فله فضيلة النوايا إذن وما تلحقه معرة النقص.

لقد قابل بعض المراقبين خطوة لقاء قيادة الحزب برئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك بالاستهجان، واصطنعوا من واقعة تعيين د. حامد البشير إبراهيم والياً للولاية اصطنعوا منها مناسبة سعى الحزب ليتكفف موائدها، وأصموا آذانهم عن بيان الحزب عن سبب الزيارة، فهذا حياد عن الحقيقة، وتنكب عن الجادة، فعزيمة الحزب التي صوَّمته ثلاثين سنة لن تخذله عن صيام مثلها تارة أخرى إن رأى في الصيام خيراً لأهله، وحسبك أن تقرأ بيانه ففيه كفاية وشفاء، لكني أقول لماذا لا يلتقي والي ولايته ويشارك حكمها – بعد أن أفاتته الحرية والتغيير حكمها- بل نطالبه بذلك، ليخدم أهله، ويدرب كادره، ويسهم في نزع فتيل الفتنة التي أطلت برأسها في ولاية جنوب كردفان، فهم أعرف بالأحلاف والتصاهرات والتاريخ النضالي المشترك بين مكونات جنوب كردفان، وليس هذا مقام لنستعرض فيه حلف الفكي علي الميراوي في ثورته مع أهله الحوازمة وحلف السلطان عجبنا مع دار بخوته في حربه مع الإنجليز ولا تكون اتحاد عام جبال النوبة الذي ورثه الحزب القومي السوداني من مكونات جنوب كردفان العربية والنوبية حتى في قيادته.

فالرافضون يريدون موقفاً متماهياً مع موقف الحركة الشعبية التي لا تزال تأتزر البندقية، ومع احترامنا لرأيهم يجب أن يعلم الناس أن للحزب القومي السوداني أيضاً رؤية سياسية تلتقي أو تبتعد مع رفاقته من بعض الأحزاب يجب أن تحترم، أما إذا أراد الناس اتفاقاً كلياً في الرؤى والمواقف فالأولى اندماج تلك الأحزاب، فالاختلاف إذن مطية التعدد، ويعلم الله من كان معه الحق ومن كان أثقب رؤية، أما الحاضر فمظنة تخمين وتظني واجتهاد، وكل خطوة في سبيل القضية تورثنا بعضاً من شيء خير من أمل يأتينا بكل شيء ، هكذا علمتنا الدروس.

نعود لنقول لقادة الحزب القومي السوداني في معنى التأخير الذي انتقدناهم فيه، قد يدرك المتأني بعض حاجته، وقد يكون مع المستعجل الزلل، ونقول لقد ظهرت حكومة د. حمدوك التي خلت مخيبة لآمال عضويتكم، وضاربة بثقل حزبهم ونضالاته عرض الحائط، ونرجو أن يرى الحزب نفسه في التشكيلة الجديدة، بحجم يوازي حجمه، وإلا فعليه أن يتخذ موقفاً قوياً تجاه هذا التحالف، وأخيراً نبارك للحزب تباشير الوحدة بين أحزابه التي ما كانت تناثرت إلا ابتغاءً للمصلحة، فتشعبت بها السبل.

د. قاسم نسيم حماد

الراكوبة