حسابات (هبة)!
-١-
قلت لبعض الزملاء ونحن نُشاهد في نشرة الأخبار، وزيرة المالية المُكلّفة، في أول منشط رسمي لها، تلتقي بمدير مطبعة العملة:
من الواضح أنّ الوزيرة لا تمتلك خياراً لمُواجهة الأزمة المالية المُتفاقمة سوى تشغيل ماكينات الطباعة ﻷقصى مداها (رَب رَب رَب)!
إلى لحظة كتابة هذا العمود لم تكشف وزارة المالية، عن التفاصيل الرقمية للموازنة المُعدّلة، بعد إجازتها.
ما نُشر لا يتجاوز التسريبات الصحفية، تخطئ وتصيب.
وحينما يخرج الناطق الرسمي لمجلس الوزراء ليتحدث للصحفيين لا يقدم أرقاماً ولا نسباً، هو يقول (كلام والسلام).
وعندما كان رئيس الوزراء يجيب على الأسئلة في مؤتمره الصحفي الأخير، كانت إجاباته خالية من الأرقام، ومدعومة بالابتسامات فقط، وأماني الانتصار والعبور!
-٢-
تباطؤ المالية في الكشف عن تفاصيل الميزانية، سيُأزِّم الأوضاع ويلهب اﻷسواق ويُفاقم المُعاناة.
علّمتنا التجارب أن وحوش السوق يتحرّكون في مساحات الغموض.
يستغلون ارتباك مُتّخذ القرار وصمته الحائر، في مُضاعفة الأرباح الفاحشة، على حساب المواطن المسكين.
الحديث عن رفع الدولار الجمركي دون الكشف عن حجم الزيادة، يجعل التجار يبنون حساباتهم على أعلى تقدير، ويخفون بضائعهم حتى حين.
من الواضح أن التباطؤ في إعلان التفاصيل مرده لخوف وفزع من ردود الفعل، المتوقعة جراء المفاجآت الصادمة.
-٣-
إذا كان الوزير السابق دكتور إبراهيم البدوي، يُعاني من ضعف بائن في التقدير والتوقعات، فالمرجح أن الوزيرة المكلفة دكتورة هبة تعاني ذلك مُضافاً إليه علة التعبير.
في ظهوره الأول، تحدّث البدوي، مُقدِّماً تقديرات جزافية مثيرة للضحك والاستهزاء، ومُغرية لأبي حنيفة أن يمد رجليه في قبره!
-٤-
أعلن البدوي، عن نِيّة الحكومة الانتقالية بيع دور حزب المؤتمر الوطني في مزاد عالمي للمُساهمة في سداد الديون الخارجية!
وفي حواره مع الزميل فتح الرحمن شبارقة، بشّر البدوي، الشعب السوداني بكل فئاته الاقتصادية من العمال إلى رجال الأعمال، أمثال أنيس حجار وأسامة داؤود، بمنحهم (300) جنيه شهرياً، ضمن ترتيبات رفع الدعم!
لم يمض وقتٌ طويلٌ، إذ سُرعان ما تراجع عن تلك الحماقة وبات يتحدث عن اقتصار الدعم على 80% من المواطنين!
الطريف في الأمر حينما سأله شبارقة عن مَن هُم دون الثمانية عشر عاماً، كيف يمكنهم الحصول على تلك المنحة؟!
أجاب البدوي بكل بساطة: المبلغ يسلم لوالدته أو أخته الكبرى!
سجّل التاريخ أن دكتور البدوي أول وزير مالية في العالم، يعلن بالصوت العالي وبفخر وزهو، أن ميزانية حكومته ستغطى من دعم ومنح أصدقاء كرماء، في الخارج بنسبة 50%!
لم يجد البدوي إلى حين مُغادرته من ذلك الحلم الطفولي سوى أقل من 1% فقط!
-٥-
الوزيرة التي رأيناها في أول ظهور لها،وعرفنا فقر قاموسها التعبيري، لن تجرؤ على مُواجهة تساؤلات الصحفيين وأهل الاختصاص.
لذا تختبئ في الصمت وربما تكتفي بتسجيلٍ، تلقي خلاله أرقامها الصادمة، ثم تترك للسوق حق الاشتعال وللمواطنين وجع الحسرة والآلام!
-٦-
العلة الكبرى في اقتصادنا من عهد الإنقاذ إلى اليوم، ليست في الموارد والإمكانيات، ولكن في اختيار وزراء بقامة التحدي وعلى مقاس المهمة.
وزراء من أهل الكفاءة لهم المقدرة على التفكير خارج الصندوق القديم.
وزراء ورجال دولة لهم خيالٌ منتجٌ للحلول وإرادةٌ شجاعةٌ في الدفاع عن مشاريعهم ومقدرةٌ بارعةٌ في الإقناع والابتكار.
-أخيراً-
ليست وزارة المالية وحدها، غالب الوزارات مُثقلةٌ بوزراء قليلي الكفاءة بطيئي الحركة، مقدرتهم على الاستقراء محدودة وعلى الفعل شحيحة وعن البيان معلولة.
جاءت بهم روافع الإرضاء وحسابات المُحاصصات، وليست لديهم رؤية ولا إرادة، ربما إلا في حُدود تحقيق مصالحهم (المادية والمعنوية)، قبل مُغادرة المقعد..!
ضياء الدين بلال
السوداني