قصة الثور الأبيض
بالامس علقت في زحمة مرور غير عادية ..لم يكن الوقت ذروة ..ولم يكن الشارع رئيسيا ..لكن السيارات متوقفة ..وكل صاحب سيارة مغلق نوافذها عليه ويطلق في (البوري) لكي يتم فتح الشارع ..بعد مرور حوالي ثلث ساعة ..بدأ انسياب السيارات بطيئا ..كنت متحمسة لمعرفة سبب الزحمة ..لم يمض وقت طويل حتى رأيت احدهم وهو (يدفر) سيارته وحيدا ..ممسكا المقود بيد ..والباب الامامي باليد الاخرى ..تمر عليه السيارت الاخرى وهم يرفعون اياديهم متذمرين من تأخرهم كل هذه المدة….لوهلة وضعت نفسي في مكان هذا الرجل ..ماذا لو كنت انا صاحبة السيارة المتعطلة ؟ ما هو شعوري تجاه اولئك الذين لم يفكروا في تقديم يد المساعدة لي ؟ وهل ترى انهم لم ولن يمروا بموقف كهذا ؟ تتعطل فيه حياتهم ويحتاجون الى مساعدة الآخرين او لفت انتباههم وتعاطفهم ..ولايجدون نصيرا ؟
لماذا لا تجد احداث الشرق وحلفا الجديدة مساحتها من الاهتمام ؟ والمقصود هنا ليس التعاطف فقط وتغيير صورة البروفايل ..لكن ان تتحرك الدولة بكاملها لحل المشكلة من جذورها ..فالفتنة التي وجدت في الشرق بيئة صالحة لتفرخ وتتناسل …لن تتوقف هناك ..وسيمتد اوارها الى اجزاء اخرى ..فالمجتمع السوداني لا تزال مكوناته هشة والقبلية ضاربة بجذورها ..ولولا ستر الله و(الجودية) طوال الاعوام السابقة ..لتفتت السودان الى قطع صغيرة ودويلات اصغر ..ولو تتبعت اصول المشكلة التي ادت الى تناحر القبائل ..ستجدها مشاجرة بين اثنين كان يمكن حلها بالتراضي ..او في اقرب قسم شرطة ..لكن الجميع وقف متفرجا ..وتركوهم (يدفروا) مشكلتهم وحدهم ..بل طالبوهم باخلاء الطريق للبقية ..والنتيجة احتقان الموقف وحرب اهلية تلوح نذرها في الأفق ..ولا احد يدري لو بدأت لا قدر الله ..ما الذي سيحدث ..لكن المؤكد انها لن تبقي على احد ..وسيكون الخاسر الاكبر هو الوطن.
المشاكل بين القبائل ..لن تحلها الحلول المؤقتة ..ولا انتشار الجيش ولا الدعم السريع ..انما تحلها قوانين رادعة تطبق على ارض الواقع ..وتوعية مجتمعية يقوم بها المتعلمون واولاد المدارس والمثقفون من اهل الدار ..ودونكم رواندا التي انتهت من حرب اهلية كان يموت فيها في اليوم الواحد عشرة الف شخص ..خرجت رواندا من قمقم العنصرية والحرب الاهلية الى مصاف الدول النامية التي يشار لها بالبنان ..وذلك بشئ واحد ..سيادة القانون الرادع وتطبيقه على الكل ..والوعي المجتمعي الذي اجتهد الجميع في نشره ..وكانت النتيجة انهم عبروا للضفة الاخرى ..تكاتف الجميع ونهضوا مع بعضهم ..ولم يكتفوا بالقاء اللوم ..و(ما قعدوا فراجة).
بقي ان نحكي قصة الثور الأبيض وهي تقول ان اسدا وجد ثلاثة ثيران الوانهم مختلفة ابيض واحمر واسود ..الثيران كانوا يعيشون معا في سلام وامان …اضمر الاسد في نفسه اكلهم واحدا تلو الآخر ..لكن كيف السبيل لذلك ؟ اقترح عليهم الذهاب الى مكان عشب وفير ..وبينما الثور الابيض ياكل ..انتحى الاسد بالثورين الاحمر والاسود وقال لهم ان الابيض يشكل خطرا عليهم ..لونه يمكن ان يلفت نظر الاعداء ..لذلك فهو يرى ان يقتلوه حماية لهم ..قام الثوران بقتل صديقهما بلا رحمة ..واكله الاسد متلذذا ..بعدها انفرد بالاسود وقال له ان الاحمر لونه مختلف عنه ..الا تراه يلمع في ضوء الشمس ؟..فماكان من الأسود الا ان قتل رفيقه ايضا ..الذي اكله الاسد طبعا..وفي اليوم الثالث ..لاحظ الثور الأسود ان الأسد يحاول الايقاع به وافتراسه ..فقال متحسرا على موت بني جلدته (لقد قتلت يوم قتل الثور الابيض).
الجريدة
ناهد قرناص