مزمل ابو القاسم

ظاهره شفافية.. وباطنه دغمسة!

* بالأمس نشرت وزارة الصناعة والتجارة الخبر التالي: (تنفيذاً لسياسات وقرارات الحكومة الانتقالية لتخفيف أعباء المعيشة على المواطنين السودانيين عبر إطلاق برنامج سلعتي، تم اليوم فض مظاريف عطاء إعلان المناقصة رقم (1) لسنة 2020م (توفير السلع الاستهلاكية لبرنامج سلعتي)، وفقاً لقانون الشراء والتعاقد لحكومة جمهورية السودان، عبر لجنة يرأسها ممثل من وزارة الصناعة والتجارة، والمستشار القانوني للشركة، المفوض من وزارة العدل، والمدير المالي لوزارة الصناعة والتجارة، والمراجع الداخلي لوزارة الصناعة والتجارة، ومندوب الشراء والتعاقد بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، وتم ذلك بحضور المدير العام المكلف للشركة، والذي تنفذه الشركة السودانية للسلع الإستهلاكية المحدودة (شركة حكومية مسجلة وفقاً لقانون الشركات لسنة 2015م) والتي تؤول ملكيتها لوزارة الصناعة والتجارة ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، وتم ذلك بحضور ممثلي شركات المصنعين والمنتجين المتقدمة للعطاء).
* من يقرأ الخبر سيُسر في الوهلة الأولى، وسيتوهم أن حكومتنا المبجلة عرفت أخيراً قيمة الشفافية والتنافس الحُر، وشرعت في احترام نصوص قانون الشراء والتعاقد لسنة 2010، بعد دهور من الانتهاك والتجاهل المستمر والفساد المقنن.. ولكن التزيد في التأكيد على اتباع نصوص قانون الشراء والتعاقد أثار ريبتنا، وحرَّك مكامن التقصي في نفوسنا.
* طبيعي وبديهي جداً أن يتم الأمر وفقاً للقانون، والعكس صحيح، والبديهيات لا تُقال!
* هناك أسئلة حائرة تحلق في فضاءات الشركة، التي ذكر وزير التجارة مدني عباس أنها ليست ربحية، وتستهدف دعم الحركة التعاونية، بالقضاء على السماسرة والمضاربين عبر توفير السلع للمواطنين بسعر المُنتج مباشرة، وبواسطة برنامج (سلعتي) الذي ابتكرته الوزارة.
* السؤال الأول يتعلق بمسببات إنشاء الشركة التي تمتلك وزارة التجارة (80‎%‎) من أسهمها، بينما تؤول العشرين في المائة المتبقية لوزارة المالية؟
* لماذا تريد وزارة التجارة منافسة القطاع الخاص بالمتاجرة في السلع الاستهلاكية من أرزٍ وعدس وشاي وصلصة وصابون ولبن بدرة وغيرها، بعد أن شرعت في تحرير السلع الاستراتيجية، من بنزين وجازولين وغاز وخلافها؟
* كيف ولماذا تفعل الدولة الشيء ونقيضه، لتخرج من سوق السلع الاستراتيجية بالباب الواسع، وتدخل لسوق السلع الاستهلاكية بالشباك الضيق؟
* الشركات التي لا تربح تخسر، لأنها ستصرف الكثير على مرتبات ومخصصات موظفيها، وعلى مقرها وحركتها وأثاثاتها وأجهزتها وبقية معينات عملها، فما هي الجهة التي ستتحمل أوزار الخسارة إن حدثت.. لا قدر الله؟
* ما ذنب المواطن المسكين كي يدفع أوزار الخسارة من المال العام، حال حدوثها؟
* ورد في العطاء المنشور في الصحف، والذي بادر وزير التجارة بنشره في حسابه على موقع (تويتر)، بأن فترته ستمتد شهراً، وذلك يوم 28 يوليو الماضي، والمهلة تتسق وتتفق مع نصوص قانون الشراء والتعاقد، فلماذا تم قصرها على (12) يوماً فقط؟
* ما الذي جدَّ على الشركة التي أشرف على تسجيلها أحد المحامين (بمعزل عن الإدارة القانونية لوزارة التجارة)، كي يتم قصم ظهر المدة المحددة للعطاء قبل أن ينتصف أمدها، بمخالفة بيِّنة للقانون، ولشروط العطاء نفسه؟
* ألن يتسبب ذلك التعجل المريب في حرمان شركات أخرى من المشاركة في العطاء؟
* ثم إننا نسأل الوزير مدني عباس، من يرأس مجلس إدارة الشركة التي تسير عكس خط سير الحكومة الرافضة لمنافسة القطاع الخاص، والساعية إلى الخروج من سوق المتاجرة في السلع الاستراتيجية؟
* من الذي يعمل مديراً لها، وكم تبلغ مخصصاته، وكيف وبأي مؤهلات تم اختياره؟
* كيف تم اختيار بقية طاقم الشركة، وهل خضع الاختيار إلى منافسة حرة عبر ديوان شئون الخدمة ولجنة الاختيار، أم تم قصره على الأصدقاء والمحاسيب من دون منافسة حرة، ولا تدقيق في المؤهلات؟
* هل كان لإنشاء هذه الشركة أي دور في استقالة منى قرشي، مديرة مكتب الوزير مدني عباس قبل فترة وجيزة من الآن؟
* ظاهر الأمر (شفافية)، وباطنه دغمسة وغموض ومحسوبية وسير عكس خط الدولة الراغبة في الابتعاد عن المتاجرة في أهم السلع، الساعية إلى عدم منافسة القطاع الخاص.
* لماذا قصمتم عنق العطاء قبل أن يكمل نصف عمره يا وزير التجارة؟
* لنا عودة.. انتظرونا إن كان في العمر بقية.

مزمل ابو القاسم
اليوم التالي