أبرز العناوينتحقيقات وتقارير

الخرطوم عاصمة الخطف والنهب.. لم يسلم منها حتى (النظاميين) !!


يبدو أن ظاهرة الخطف والسلب والنهب التي اجتاحت العاصمة الخرطوم مؤخراً تمضي باتجاه تصعيد خطير جداً لم يسلم منه حتى (النظاميين) الذين علَّق عليهم المواطنون (آمال) لحمايتهم من تلك العصابات التي انتشرت كالنار في الهشيم.. شاهدنا على حقيقة التصعيد، ما أوردته صحيفتنا هذه قبل يومين أن مجهولين قاما في (وضح النهار) بخطف حقيبة نظامي بالقوات المسلحة بداخلها مسدس وأموال بسوق قندهار بدار السلام، الواقعة غرب أم درمان..

(الكلام دخل الحوش!!)
وتحكي تفاصيل القصة الناطقة بـ(جرس إنذار خطير جداً) أن نظامياً كان يجلس آمناً مطمئناً داخل ركشة قرب سوق قندرها، قبل أن يفاجئه شخصان يستقلان دراجة نارية؛ اقتربا منه وبـ(قوة عين) يُحسدان عليها، خطفا الحقيبة وأسرعا بالدراجة حتى اختفيا عن الأنظار، وقال مصدر لـ(السوداني) إنَّ الحقيبة بداخلها مسدس عيار( 9 ) ملي، و(21) ألف جنيه نقداً، إلى جانب مستندات رسمية.. ومن هُنا تتناسل الأسئلة: إذا كان هذا ما يحدث نهاراً جهاراً مع نظاميٍّ (مُدجَّجٌ) بسلاحه، فما الذي يجري مع العُزَّل وخصوصاً النساء وكبار السن والأطفال؟؟ وإلى متى تظل الحكومة ممثلةً في وزارة داخليتها وبقية أجهزتها المُختصة؛ (تتفرَّج) على هذه الظاهرة الخطيرة التي تمدَّدت بشكلٍ مُخيف لم تسلم منه حتى (قلب) الخرطوم المدينة وليس أطرافها؟ وهل صحيحٌ ما ظلت تردده مجالس المدينة أن ثمَّة جهة ما تقف وراء هذه الظاهرة مع سبق الاصرار والترصد لشيءٍ في نفسها؟؟!!

(11) حالة خطف بالمركزي!!
وتمضي عصابات (المواتر) في (حملتها) الإرهابية ضد (الأبرياء) في ظل صمت جهات الاختصاص.. حيث يؤكد لـ(السوداني) سائق ركشة بصينية السوق المركزي الخرطوم، أنه منذ صباح هذا اليوم الذي كُنَّا في (عصريته) – حوالي الساعة الرابعة عصراً-، شاهد بأُمِّ عينيه (11) عملية خطف هواتف وشنط نسائية من أصحابها عبر عصابات (المواتر) ولم يفلح شخص واحد في استرداد مفقوداته أو أن تتدخل جهات شُرطية أو غيرها لإغاثة أولئك الملهوفين. يمضي مُحدَّثنا بقوله: إنَّ هذه الظاهرة أصبحت من الأشياء المألوفة جداً لنا، لدرجة أنها لا تلفت انتباهنا في بعض الأحيان. مؤكداً أنَّ المُحيِّر جداً في (القصة) أن المجرمين معروفون بـ(مواترهم) وشخصياتهم لأغلب العاملين بهذا المكان، ما يؤكد أن الجهات المختصة كلها على علم بالحوادث وربما بالمجرمين أنفسهم.

نهب (2) مليار من مُورِّد
ومن القصص الشهيرة التي تداولها العاملون بسوق لبيبا الشهير، أن أحد المُورِّدين الذين يمتلكون محالاً تجارية بالسوق ومخازن للبضائع تقع في الناحية الشمالية، وقد اعتاد كثير من المورِّدين خلال فترة قفل الأسواق بسبب جائحة كورونا؛ على مواصلة عملية بالبيع بالمخازن واستمر ذلك بعد فتح الأسواق، حيث قام (….) – تاجر ومورِّد شهير بالسوق- بوضع كل إيراد مبيعات يومه البالغ (2) مليار جنيه (بالقديم) داخل (كيس بلاستيك سَبَتْ) ومشى راجلاً من المخزن إلى سيارته التي لا تبعُد من المخزن سوى أمتار معدودة، فإذا بشاب مفتول العضلات يخطف منه (الكيس) وينطلق سريعاً ثم يركب مع زميله الذي يمتطي (موتراً) من النوع المعروف في عمليات الخطف، حيث أطلقا (عجلاته) للرِّيح، فحاول صاحب المال اللحاق بهما بمساعدة من كانوا معه، ولكن هيهات ففي رمشة عين اختفى (الموتر) بحمله وأصبحت قصة الرجُل حديث السوق والأسواق المجاورة..!!

تحليل شُرَطي للظاهرة
وبينما يشكو بعض النظاميين أنهم وقعوا ضحايا لهذه الجرائم الخطيرة – كحالة النظامي التابع للقوات المسلحة التي وردت قصته في المُقدِّمة-، يقول آخرون إن بعض من يقومون بجرائم الخطف هُم أنفسهم نظاميون سواءً كانوا بالخدمة أو (مرافيد).. طرحتُ هذا السؤال الحسَّاس على الخبير الشُرطي المعروف الفريق/ صلاح الدين الشيخ، فأجاب في حديثه لـ(السوداني)، أمس: إنَّ عُمر ظاهرة خطف مُقتنيات المواطنين من النساء والرجال، والأطفال عبر الدراجات النارية (المواتر) وغيرها من الوسائل التي يستخدمها المجرمون؛ يُقدَّر بحوالي (6) سنوات، مؤكداً في حديثه لـ(السوداني) أنها موجودة منذ عام 2014م، لكنه أشار إلى أن الحالات التي وقعت من قِبَل منتسبين للمؤسسات العسكرية ليست كثيرة كما يُروِّج البعض بل ربما لا تتعدَّى أصابع اليد، لأنَّ من يثبت تورطه وهو لا يزال في الخدمة تطالهُ عقوبة رادعة قد تصل حد الإعدام. لكن الفريق/ الشيخ عاد ليقول إنَّ حمل الأسلحة النارية من قِبَل بعض المنتمين للمؤسسات العسكرية يُبيِّن التساهل الذي يحدث أحياناً خلال فترة عملهم في حين انه لا يحق لهم مُطلقاً (التبختر) بها في الأسواق لإرهاب المواطنين، وشدَّد على أن مهمة السلاح الناري تنتهي بإنتهاء العملية التي من أجلها حُمل وفقاً للقانون وبعد ذلك يذهب للمخزن محل إستلامه.

كذبة كبيرة..!!
ومضى الفريق صلاح الشيخ بقوله إنَّ ما كان يردده الرئيس المخلوع البشير و(جماعته) عن نعمة الأمن في السودان وخصوصاً العاصمة الخرطوم، كلام غير صحيح البتة فالواقع كان يؤكد أن الأمن ينحصر في أحياء بعينها وسط العاصمة الخرطوم، وحتى تلك الأحياء لا تسلم من بعض التفلُّتات، مردفاً أن بعض الأحياء الطرفية كانت وما زالت تشكِّل بؤرة للعصابات مثل مايو وغيرها، ونوَّه إلى أن أكبر خطر على أمن المواطنين والوطن نفسه يشكِّله الوجود الأجنبي الكثيف علماً بأن أكثر من 90% من الاجانب دخلوا بطرق غير شرعية ولا تعرف عنهم الجهات المختصة شيئا، وقال الشيخ إنَّ العملية الأمنية مُكلِّفة جداً فيما يتعلق بتوفير السيارات ووقودها، والدوريات ونثريات التسيير … إلخ، ولذا قد لا تسمح الميزانية لقيام مراكز لبسط الأمن الشامل نسبة للتوسع الذي طرأ على العاصمة وامتداداتها في الفترة الأخيرة، وقال إنَّ أخطر ما في الظاهرة انها تتم بـ(مواتر) غير (مُقنَّنة) ولا تحمل لوحات أحياناً، مستشهداً بحوادث كثيرة وردت تفاصيلها في الصحف و(الميديا) أظهرت جلياً أن المشكلة الحقيقية هي عدم (تقنين) اقتناء المواتر.

نقد لاذع جداً
ويؤكد المحامي معز حضرة في حديثه لـ (السوداني)، أمس، أن المشكلة الحقيقية تكمن فى غياب الشرطة وعدم تفعيل القوانين، واصفاً غيابها بالغريب والمريب، وقال إن العقيدة التي يجب أن تتغيّر اليوم قبل الغد هي أن الشرطة قوة مدنية ينبغي أن يكون هدفها الاول والاخير حماية المدنيين وليس قمعهم لصالح الانظمة الحاكمة؛ ولا يحق لهذا الجهاز الحساس أن يكون جهازا تابعا لنظام ما مهما كان، لأنها شُرطة الشعب وليس الأنظمة.

وعاب حضرة، على الشرطة حصر دورها وظهورها عند الجبايات كشرطة المرور، وشرطة الأسواق التي ترافق موظفي المحليات في التحصيل، وأضاف حضرة أن عدداً من الموظفين جوار مكاتبهم يشكون من تكرار سرقات (مرايات) السيارات وبعض الإسبيرات رغم أنها تقف في (قلب السوق)، مطالباً وزير الداخلية بتفعيل القوانين وإزالة الصورة القبيحة التي ارتبطت بأن رجل الشرطة هو متحصل جبايات.

مقارنة بين نظامين
من جهتهِ رجَّح الخبير الاقتصادي البروفيسير إبراهيم أو نور، في حديثه لـ (السوداني) أن تفشي ظاهرة السلب والنهب عبر الدراجات النارية وغيرها من الوسائل يرجع إلى عوامل منها الضغط المعيشي، وتزايُد أعداد الأجانب بالبلاد وأغلبهم يوجدون بشكل غير قانوني ما يدُل على ضعف الجانب الرقابي، مؤكداً إزدياد ظاهرة الانفلات الأمني بعد سقوط النظام البائد، وهذا يتطلب من الحكومة وخصوصاً وزارة الداخلية تفعيل القوانين ومنع تدفق الأعداد المهولة من دول مجاورة تستغل تقارب السحنات بيننا.

مصدر بالداخلية يؤكد
مصدر شُرطي رفيع قال لـ(السوداني) – مُشدّداً على حجب اسمه – إنَّ ظاهرة السرقات والنهب والسلب بالليل والنهار في العاصمة ازدادت بشكل واضح لا يمكن إنكاره. وأرجع ذلك لسبب رئيسي هو أن النظام السابق في أواخر عهده كان اهتمامه بـ(تأمين نفسه) أكثر من اهتمامه بـ(أمن المُواطن)، ولذا حدثت حالة سيولة أمنية استغلها المجرمون ومارسوا نشاطهم الإجرامي بطمأنينة لم تكن معهودة من ذي قبل.

وقال المصدر: أنا لا أملك إحصائية دقيقة لتلك الجرائم لكن أؤكد أنها في تنامٍ مستمر جعلها في مقدمة البلاغات المفتوحة بمضابط الشرطة وبالتالي أصبحت تحتاج إلى وقفة حقيقية من قبل اللجنة الأمنية ككُل.

تحقيق: ياســـــــــــر الكُردي
السوداتي