حكاية مدير مؤسسة في السودان.. أرقام من ذهب ونجاح مدهش
كمال عبيد الذي عرفت بالأمس الاحد صدر قرار من الجهة السيادية، قضي بإحالة عدد من الاخوة في جامعة افريقيا العالمية الي التقاعد حيث ظل الاخوة الذين شملهم القرار وفي مقدمتهم البروفسير كمال محمد عبيد أعمدة هذه الجامعة(واوتادها) الذين اسسوا هذه المؤسسة العريقة مع نفر كريم منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر امثال المرحوم البروفسير الطيب زين العابدين، والبروفيسور حسن مكي وآخرين تقبل الله منهم جميعا فالحق يقال ان من الطبيعي ان يختلف الناس في أمور كثيرة وفي مقدمتها السياسية ولكن لا بد من الاعتراف بفضل هؤلاء الأخوة في تأسيس و توطيد اركان هذه الجامعة منذ ان كانت مركزاً إسلامياً والذي كان للرئيس الاسبق المرحوم جعفر محمد نميري الفضل في إعادة إنشاءه في السبعينيات من القرن الماضي.
الاخ البروفسير كمال محمد عبيد يتميز بصفات جمة يصعب حصرها فهو رجل صاحب رؤية ثاقبة ورسالة واضحه فهو إفريقيا اولاً وثانياً و ثالثاً وأخيراً (عاشق إفريقيا) كما أسميته.
تلقي دعوة من جامعة ديوك University of Duke، و أختار رفقة كل من البروفيسور عمر احمد سعيد عميد عمادة الدراسات العليا والبحث العلمي والنشر في ذلك الوقت، و كاتب المقال رئيس مكتب العلاقات الخارجية و سؤون الخريجين. فوافقت الجامعة علي تقديم ثلاث دعوات علي إنفراد . فقمنا بتجهيز الورقة العلمية التي تشارك بها الجامعة في المؤتمر ، و أرسلت الجامعة صورة من الدعوة الي السفارة الاميريكية بالخرطوم و تمت كافة الترتيبات وقامت إدارة العلاقات العامة لما يلزم ( وأخذوا الجوازات الثلاث )من شباب قضوا زهرة شبابهم خدمة بالجامعة عن رضي و قناعة تامة. فجاءت في بريد الجامعة دعوة من الجامعة الوطنية في الصومال ، و هي الجامعة الحكومية الوحيدة في الصومال من بين (96) جامعة خاصة . الدعوة ارسلت قبل فترة كافية ولكنها تأخرت لاسباب. فأتخذ قرارا أن يسافر الي الصومال وليس الي الولايات المتحدة . حاولت إثناءه عن ذلك، و منطقي قوي جدا …….و و ….و لكن ليس كمن يتراجع عن قرار إتخذه!!!!!!.
علما انه لم يزور أميركا ( الدنيا الجديدة ) قط . قارنت بموقفي عندما تلقيت لاول مرة دعوة من جامعة كنتاكي kantaky. State Univerdity في الولايات المتحدة الامريكية مع بعض الاخوة في عام 2006 للمساهمة في ندوة. وقال بهدؤء ( ممكن تمشي مع البروف عمر إلي أمريكا، أما انا فرسالتي في إفريقيا وليست في أمريكا). فقررت السفر معه الي الصومال الذين اكرمونا بصورة لم يسبق ان رأيتها لاستاذة الجامعات. استقبلنا سعادة مدير الجامعة البروفسير جمالي واساتذة الجامعة ، سعادة وزير الداخلية الاسبق ، ووزير الدولة برئاسة الجمهورية الاسبق، ووزير الدولة للاعلام وعدد من اعضاء البرلمان . فكان موكبه فريدا وفي مدخل فندق الجزيرة في الصومال إصطف الخريجين من مما يوحي بعظمة الرجل (والعظمة لله وحده) ولقدره ومعزته عند الصوماليين. زاره وزير التعليم والثقافة والتعليم العالي برفقة عددا من الوزراء بعد ساعات من الوصول و أقاموا مأدبة غداء علي شرف البروف كمال .و في صباح المؤتمر اجلس البروف بجانب معالي نائب رئيس الوزراء الذي أفتتح المؤتمر، و أعطي البروف كمال كلمة وهو في طريقه الي المنصة قام الجميع وصفقوا له حتي رددت القاعة المرتبة بعناية رغم ظروف الصومال الامنية الصعبة انذاك، رددت ( رو..رو..رورو ).وفي مساء نفس اليوم اقام معالي رئيس الوزراء مأدبة عشاء علي شرفه. وفي اليوم التالي اقام فخامة الرئيس مادبة عشاء اخري في القصر الرئاسي وكرمه بعد العشاء بلقاء شخصي مع فخامته لمدة اكثر من نصف ساعة، و أهدي له درع الدولة الصومالية دليل إنجاز وفخر. و اصرت ادارة المؤتمر ان أعقب نيابة عن البروف علي ورقه اشكالات التعليم العالي في مناطق النزاعات التي قدمها بروفسير من جامعة في جنوب إفريقيا واخر من كينيا. و قالوا للسودان تجربة فريدة في إدارة النزاعات وللجامعة التي تستضيف طلاب من(82) دولة تجربتها كذلك. و خاطب البروف الجلسة الختامية بلغته السلسه التي تتدفق منها الكلمات الجزله. فهو ( لا يفتش الكلمات ولا العبارات و لا حتي الافكار). فقد ظل حارساً أمينًا للجامعة لمدة ( 39) عامافكفاه عناء اللغة وافكارها. في مساء نفس اليوم اقام فخامة الرئيس الاسبق للصومال مأدبة غداء علي المحيط حضرها خمس من الوزراء.
عندما تقدم البروف. كمال بإستقالته ذهب الي منزله في ( أبو ادم) فذهب في اليوم التالي سائقه بعربة المدير ، فرفض وأعاد العربة و جاء الجامعة بعربته الخاصة. و لانه جاهز لم يأخذ التسليم والتسلم غير بضع دقائق. قدم للمدير الجديد البروفسير يوسف مختار الامين اربع قطع ذهبية أو مذهبة اهمها علي الاطلاق المقص الذهبي( خالص من الذهب) الذي أفتتح به الرئيس الاسبق جعفر محمد نميري المركز الاسلامي في عام1976 وبحضور ممثلين و ممولين من الممكلة العربية السعودية، قطر، الكويت، الامارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، المغرب، مصر ، تركيا ، نيجريا وغيرها من أعضاء مجلس أمناء الجامعة، و جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام وغيرها. كان حديثه و نصائحه للبروف يوسف مختار الأمين قيمة وحاضرة بين الذين حضروا ويحتاج لمقال اخر ان شاءالله.
لعل الصورة لاتكتمل الا بذكر دوره في الجامعة المنتجة الذي إبتدعه في السودان. قام بإنشاء مزرعة رغم تحذيرات الكثيرين من التكلفة الباهظة للشركة الالمانية التي نفذت مزرعة الدواجن. تنتج الجامعة عدد اكثر من 125 الف بيضة في اليوم الواحد وهو الاكثر علي الاطلاق في ولاية الخرطوم من مزرعة واحدة، ومصنع الزيت ينتج 400 باغة ( جركانة) من فول وسمسم وبها عدد (147) الف من الدجاج البياض، و ( 50) الف من الدجاج اللاحم، ومنتجات متعددة من الشعيرية والمكرونة والمشروبات المختلفة الكركديه والعرديب والمعجنات. وبالمزرعة عدد من الابقار والغنم والجمال. كما بها ستة احواض للإستزراع السمكي يقدر عددها باكثر من( 64) الف سمكة باحجام وانواع مختلفة، كما جلب مصنع للكسرة ( الكسرة السودانية ) تعمل بدقيق الذرة العادية، وبها كافة انواع الخضروات تزرع في بيوت محمية (بالمزرعة اكثر م (220) منها. وبها كذلك مصنع للعلف. وافق اخر إجتماع لمجلس أمناء الجامعة وهو السلطة الاعلي علي إنشاء مصرف لدعم التعليم وبمشاركة اكثر من (69) من الخريجين واخرين بمبلغ تقدر ب( 18) مليون دولار أمريكي ، وأنشأ مجلس للتخصصات الطبية الافريقية لتسهيل التخصص للخريجين خاصة من الدول الافريقية الضعيفة . و حصل علي مزرعة اخري للجامعة. كل هذا العمل الضخم يقوم به طلاب متميزون و أساتاذة اجلاء وعميد ملتزم ( د. البيلي)وعمال مهرة. يسكن الطلاب في كلية تقانة الانتاج الصناعي والزراعي والاساتذة في المزرعة ليكونوا قريبين من الحقل، و يزورهم سعادة البروف كمال اربع مرات في الاسبوع وفي يوم السبت يعقد إجتماعاته الرسمية هناك بعد ان يقضي ثلاث ساعات بالكمال والتمام لمراجعة المزرعة خاصة الدواجن. كان يذهب خاصة في الليل لزيارة المزرعة، وبعد فطور رمضان افادني سائقه الخاص ان البروف قرر ان يذهب الي المزرعة وكان الوقت متاخرا، فحاول احد الاستاذه ان يقنعه بالعدول فقال( دخلت إمراة النار في هرة) وبالمزرعة اكثر من ( 200) الف روح.
خلال ثلاث سنوات وقعت الجامعة اكثر من ( 45) إتفاقية جديدة شملت استراليا، امريكا اللاتينية، اوربا ( خاصة مع الجامعات البريطانية) ولا زالت جامعتين في أوربا قيد الانتظار ، وأسيا. تعاقدت الجامعة علي تدريب ( 8) الف معلم مع الشقيقة اثيوبيا بعد ازالة المخاوف الكثيرة، وسافرت طالبات كلية علوم التمريض الي اسكتلندا للتدريب ورصد اكثر من (2) مليون دولار لمعمل كلية الطب الذي كان عميدها العالم المتواضع الدكتور عمر العادل وخلفه الجراج المستر جاه الله .أدخل الامتحان الالكتروني لاول مرة في عهده في الجامعات السودانية ، وطبقه رغم تخوفاتنا وكنت ضمن المتحفظين .
كان البروف كمال جاداً بدرجة عالية اذ يقوم بزيارة مرافق الجامعة وبشكل يومي ( 365) زيارة في السنة الا ان يكون مسافرا. حافظ علي نظافة الجامعة ماديا و معنويا ( علي حد علمي)، وطور علاقات الجامعة مع مجلس الامناء الذين رأوا فيه مثال للمعلم السوداني المتفاني المعروف.
أما نائبه الاسبق البروف حاتم عثمان اذكر لكم موقفا واحدا فقط. في اغسطس 2018 زار سعادة مدير جامعة ام درمان الاسلامية البروفسير حسن و وفده مزرعة الجامعة. في التجليس ضغطني من يدي بشدة البروف حاتم وبهمس خافت ( اجلس جنب البروف حسن انا ما عايز ). برتكوليا لا يجوز ولكن مع اصراره وجدت نفسي افصل بين المدير البروف حسن ونائب المدير للشؤون المالية والادارية البروف حاتم. وكذا في الفطور جلست مكانه وهو فضل ترابيزة اخري. بنهاية الزيارة و مغادرة البروف حسن ووفده ، سألته لماذا يرفض الجلوس في موقعه الطبيعي، فكان إجابته( كان البروف احد اعضاء مشرفي في الدكتوراة) قبل (27) سنة. وهو نفس الادب الذي جعل معالي وزير الاتصالات والناطق الرسمي للحكومة في الصومال يرفض ان يجلس بجانب البروف كمال فجلست بينهما ، في الحالتين كان (نيام هو الضحية).
أما عن الباقيين لعلي اجد فرصة اخري ان شاءالله
مع كل هذه المحاسن والانجازات لكل منهما البروف كمال وحاتم والاخرين الذين لم تتح المساحة لذكر مناقبهم الان، مأخذهم وأخطاءهم كذلك.
ولكن يجب ان لا ترتبط مسيرة ومصير الجامعة بافراد، ما دامت أهدافها و رسالتها باقية.
تاج الدين بشير نيام
رئيس مكتب العلاقات الخارجية و شؤون الخريجين
24.08.2020
04.01.2442
السودان. الخرطوم
أخي الكريم تاج الدين نيام
أنت تحلق في سماوات من القيم والأخلاق لا يعرفها ولا يطالها ولا يرقى لها إلا أمثالك وأمثال البروف كمال عبيد.
ماذا تنتظر من أمثال من أعفوه غير نقيض كل تلك القيم والأخلاق؟؟؟؟
ضاع السودان
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
غل الشيوعيين والليبراليين والعلمانيين لا يعترف بهكذا فضائل… القوم ليسوا بقوم مكارم.. بل قوم خسة ودناءة فماذا تتوقع؟
بوصفي محاضر سابق بالجامعة لا أنكر انجازات بروف كمال عبيد في جامعة أفريقيا في مجال البنى التحتية والاستثمار وتحسين رواتب هيئة التدريس والموظفين والعمال ولكن للأسف أضاع فرصة كبيرة لتحسين المستوى الأكاديمي في ظل توفر إمكانيات كبيرة. وبالتأكيد الجانب الأكاديمي أهم من كل الجوانب الأخرى بالنسبة لأي جامعة