رأي ومقالات

غزوة (عمارة الذهب)!


مدخل:
لن نجد معادلاً موضوعياً يُوافق مقاس ظرفنا الراهن، أفضل مِمّا قلناه أمس!
ما الذي تغيّر في أحوال الناس حتى تتغيّر الأقوال؟!
الصور ذات الصور، والمَشَاهِد هي ذاتها، و(الزمن واقف مكانه والرقم لسه واحد)!
تغيّرت الوجوه ولم تتبدّل المصائر واﻷقدار!
-١-
المشهدُ المُثير للرُّعب، سكان هندوراس ينتظمون في مسيرة جماعيَّة تجاه الحدود مع الجارة غواتيمالا، أملاً في الوصول إلى الولايات المتحدة، هروباً من الفقر والضنك، بحثاً عن حياةٍ أفضل هناك.
شعبٌ كاملٌ يترك وطنه لحاكميه ويُغادر!
في كُلِّ مرَّةٍ يقفز سعر الدولار وتنخفض قيمة الجنيه، بوتيرةٍ تُسابق الريح وتُخالف منطق الأشياء.
في كُلِّ يومٍ تنخفض قيمة الجنيه في الجيوب، ويصعد الدولار على الجراح.
الوضع الاقتصادي يمضي مُسرعاً من سيئٍ إلى أسوأ، والدولار في صُعُودٍ وأقدارُنا في هُبُوطٍ.
-٢-
الجميع يبحثون عن جرعةِ أملٍ مُضادَّةٍ لحالة اليأس والإحباط، حتى يُصبح لحياتهم معنى، ولوطنهم قيمة، ولأنينهم أذْنٌ تسمع، ويدٌ تمتدُّ لمُستصرِخهم من بين الموج.
مع كُلِّ هذه المُعطيات بكُلِّ خطورتها، لا تجدُ خطاباً حكومياً مقنعاً، يشرح ويُفسِّر ويحْمي شمعة الأمل والرجاء من الانطفاء.
هذه الحالة تُشعِرُ المُواطنين بواحدٍ من اثنين:
إما أنّ الحكومة في حالة عجزٍ تامٍّ ولا تملك حلولاً.
أو أنها ضعيفة الإحساس بكُلِّ هذه المواجع التي تجعل من العيش والحياة الطبيعية أمراً عسيراً وبالغَ المشقَّة.
-٣-
لو أن مُتّخذ القرار بذل قليلاً من الجهد في قراءة كتاب النظام السابق. تحديداً فصل محاولات كبح جماح الدولار، لما وجد نفسه مُضطراً لتجريب المُجرّب وإعادة اكتشاف العجلة!
مُحاصرة عمارة الذهب لضبط تجار العملة وهم مُتلبسون بدولاراتهم، فعلٌ صبيانيٌّ غير مُنتج، وفيلمٌ مُعادٌ.
ماذا ترتّب على تلك الحملة؟!
في كل عمارة الذهب لم يجدوا غير عشرين ألف دولار فقط لا غير!
لا أستبعد أن يكون خبر الحملة قد وصل عمارة الذهب قبل ساعات من تحرُّك القوات!
لا يُوجد أعمق من دولة الدولار في البلاد؛ لها عيون وآذان وأيادٍ طويلة تبلغ البعيد!
هي من أسقطت نظام البشير، والآن تُهدِّد حكومة حمدوك!
-٤-
القاعدة المنطقية أنّك لا تستطيع إيجاد حلٍّ لمُشكلة ما، وأنت عاجز عن وضع تصوُّر ﻷبعادها وأعماقها.
وحين يكون التصور مُفارقاً للواقع والحقيقة، تأتي الحلول خاطئة وفاضحة أحياناً.
لو كانت تلك الإجراءات البوليسية مجدية في السيطرة على سعر الصرف، لنجحت في إنجازها أجهزة النظام السابق بكل أدواتها القمعية.
-٥-
لا أحد كان يتوقع أن تُعَالِج الحكومة الانتقالية الأزمة الاقتصادية المُطْبِقَةُ على البلاد في يومٍ وليلةٍ بعصا سحريَّة.
ولا يوجد عاقلٌ يُرَاهِنُ على أن بمَقدُورِ الإجراءات الأمنيّة تحقيق استقرارٍ في سعر الصرف، بإنهاء تجارة العُملَةِ في السوق السوداء.
كان التوقُّع المعقول والمقبول والمأمول، أن تُحَقِّق حكومة حمدوك في المدى القريب إيقافَ نزيفِ قيمةِ العملة وإبطاء تدهور الأوضاع الاقتصاديَّة، قبل تحقيق اختراقٍ أماميٍّ في مُقبل الأيام.
-٦-
ما ظَلَّ يَحدُثُ خلال الأيامِ الماضية من تصاعُد الأزمَات وتتابُعِهَا يُعطِي مؤشراً لضرورةِ التوقف قليلاً لمراجعة خارطة السير.
هل الحكومة تمضي في الاتجاه الصحيح الذي يمكنها من العبور ويسهل لها الانتصار على الظروف، أم هي تسرع الخُطى نحو الهاوية؟!
الحملات البوليسية غير مُجدية، والسياسات بلا آليات تنفيذ لا تسمن ولا تغني من جوع، والدولار ليس ثوراً هائجاً، حتى يصرعه الفريق حميدتي!
-٧-
التوجُّه الصحيح، المضيّ في وضع سياساتٍ عَمَلِيَّةٍ وموضوعيةٍ مَرِنَة، يُمكِن تطبيقها ومتابعتها بالقياس والمراقبة.
أَضِف لذلك القابلية للضّبط والتعديل إذا اقتَضَى الحال، وحراستها من الهجمات المُرتَدَّة والتكتيكَات المُضَادَّة.
لن تُحَلّ أزمة الاقتصاد الكُبرى بالمجهودات والاجتهادات السطحية والإجراءات البوليسية.
-أخيراً-
إذا لم تَتَكَامَل وتتناغَم كلّ أجهزةِ الدولة وفق رؤيةٍ كليةٍ وبرامج تفصيليةٍ مُتَّفقٍ عليها، يَتَقَدَّم فيها عمل المُؤسّسات على اجتهادِ الأفراد، لن يَنصَلِحَ الحال ويستقيمَ العُود ويَطيب الظلّ.

ضياء الدين بلال