تحقيقات وتقارير

مساحيق تبييض البشرة.. “هوس” يقض مضاجع السودانيات


لسنوات طويلة امتدح الغناء الشعبي، البشرة السمراء، بوصفها العلامة الحصرية للجمال لكن مؤخرا غزت الأسواق السودانية مساحيق تبييض البشرة، وانتشرت كالنار في الهيشم، ما أنتج ظاهرة مزعجة ومقلقة، أفرزت أضرارا صحية ونفسية على الفتيات

مساحيق تبييض البشرة.. “هوس” يقض مضاجع السودانيات (تقرير)
لسنوات طويلة امتدح الغناء الشعبي، البشرة السمراء، بوصفها العلامة الحصرية للجمال لكن مؤخرا غزت الأسواق السودانية مساحيق تبييض البشرة، وانتشرت كالنار في الهيشم، ما أنتج ظاهرة مزعجة ومقلقة، أفرزت أضرارا صحية ونفسية على الفتيات

– ترجع أسباب استخدام مساحيق التبييض لأسباب عنصرية
– الكثير من المساحيق “مغشوشة”
– استقبل مستشفى الخرطوم للأمراض الجلدية 21 ألف حالة تشوه
– دشن ناشطون حملات ضد استخدام مساحيق تفتيح البشرة
لسنوات طويلة امتدح الغناء الشعبي، البشرة السمراء، بوصفها العلامة الحصرية للجمال.

لكن مؤخرا غزت الأسواق السودانية مساحيق تبييض البشرة، وانتشرت كالنار في الهيشم، ما أنتج ظاهرة مزعجة ومقلقة، أفرزت أضرارا صحية ونفسية على الفتيات.

وخلال العقود الماضية، يندر أن تجد فنانًا أو شاعرًا سودانيًا، لم يزهو ويتغنى باللون الأسمر لمحبوبته، لكن حاليا من الصعوبة بمكان، خلو الأسواق السودانية، من محل لبيع مساحيق التبييض.

واللافت جدا، وجود فتيات في الشارع، أو المواصلات العامة، شوَّهت بعض مساحيق التبييض وجوههن، وجعلت بشراتهن “خاطفة لونين”، ما يُثير الشفقة والسُخرية في أعين الناظرين.

والمُشكلة ليست فقط في انعدام ثقة الفتيات في لونهن، بل أن أغلب المساحيق “مغشوشة”، وتتسبب في أضرار صحية ونفسية بالغة التعقيد.

** إقبال كرسته العنصرية

من المعروف أن السودان يضم قبائل عربية وإفريقية، إلا أن تاجر مساحيق التجميل، حمزة آدم، أرجع أسباب إقبال الفتيات على مساحيق تفتيح البشرة، إلى نظام “المؤتمر الوطني” (النظام الحاكم السابق).

ويقول آدم للأناضول، إن الحزب “كرَّس للتفرقة والعنصرية بين أبناء الوطن الواحد، ما جعل المجتمع السوداني يُفضل ألوان البشرة البيضاء دون بقية الألوان الأخرى”.

ويضيف أن ” القبول للوظائف في عهد نظام المؤتمر الوطني ارتبط بشكل الشخص ولونه وجهته، وليس إمكانياته وقدراته ومهاراته”.

ويلفت آدم، إلى أن “مجالات الإعلام، والفن، والموسيقى في السودان، دائما ما تشترط على الفتيات اللون الأبيض للبشرة، وليس الإمكانيات والقدرات للالتحاق بالوظيفة”.

** مساحيق مغشوشة

ولا توجد أي أرقام رسمية عن نسبة استعمال تلك المساحيق في السودان، كما أن أغلبها لا يخضع لرقابة، ما يجعل من الصعب حصر حجم المبيعات.

وتنتشر في كل مدن البلاد محال تُعرف شعبيًا باسم “قدر ظروفك” تبيع مساحيق ببتبييض بأسعار زهيدة، لكنها في الغالب مغشوشة، ولا يعرف حتى جهة تصنيعها.

والأكثر ضررا في هذه المحال، أن أغلب أصحابها يقومون بوضع التركيبة بأنفسهم، من دون أي معايير علمية ومعملية، مستغلين أنها تحظى برواج عند زبائنهم، من دون أي اعتبار للضرر الذي تسببه.

ورغم المكافحة الرسمية لهذه المساحيق، إلا أنها تجد طريقها إلى البلاد بالتهريب، لا سيما من دول غرب إفريقيا.

وبحسب إحصاءات رسمية، استقبل مستشفى الخرطوم للأمراض الجلدية، خلال عام واحد، نحو 21 ألف حالة تشوهات بسبب تلك المساحيق.

وخلال منتدى سابق نظمته وزارة الصحة السودانية لمناقشة القضية، قدَّر استشاري الأمراض الجلدية صافي الدين علي النور، نسبة استعمال مساحيق التبييض وسط الفتيات والنساء بـ 50 إلى 70%.

وأوضح الاستشاري، أن “النسبة المفزعة تزيد في المناطق التي تتدنى فيها مستويات الوعي مثل الأرياف والأحياء الشعبية”.

والمؤسف إن هذه المحال “تبيع نحو 100 صنف تحتوي مواد سامة ويستغل تجارها جهل الفتيات لإقناعهن بأنها طبيعية”، بحسب التور.

ومن المواد السامة، وفقًا لاستشاري الأمراض الجلدية، “مادة (Toxic).

ويضيف النور، أن تلك المادة “تحدث الأثر المطلوب في التبييض، خلال أيام معدودة، لكنها شديدة السمية، وكذلك مادة الزئبق، ومركبات الكورتزون، والهيدروكوينون”.

ويشير النور، إلى أن “بعض المصانع العالمية، التي منعت من استخدام الزئبق، حولت صناعتها إلى إفريقيا لانعدام الرقابة”.

** حملات مضادة

دشن ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، حملات توعوية لمحاربة ظاهرة استخدام مساحيق تفتيح البشرة، لأضرارها غير المتناهية على صحة جسد الفتيات في السودان.

وأطلق الناشط أحمد عبد الرحمن، مبادرة “ما تفسخي يا بتنا”، للمحافظة على بشرة البنات السودانيات على طبيعتها.

وتهدف المبادرة أيضًا، إلى نشر التوعية والإرشادات والمحافظة على السِحنة والهوية السودانية.

ويقول عبد الرحمن للأناضول، إن المبادرة “تهدف لإرجاع الثقة للفتيات السودانيات، في لونهن الأسود، أو درجات الألوان الداكنة باعتبارها ألوان جميلة ولا تحتاج إلى تغيير، مهما كانت الضغوط المجتمعية التي يتعرضن لها عند الدخول إلى الجامعات، أو التقدم في مسيرة الحياة العملية”.

وينوه إلى أن فكرة المبادرة، “عبارة عن تغيير اجتماعي، تحتاج إلى زمن وجهد من كل المؤسسات الرسمية والمدنية”.

ويلفت عبد الرحمن، إلى أن الحملة “وجدت تجاوبا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وحصدت في اليوم الأول لإطلاقها ألف إعجاب “لايك”، ووصلت إلى 65 ألف متابع في السودان ومصر، والولايات المتحدة، وبقية الدول الأخرى”.

ويضيف أن الحملة “وجدت انتشارا كبيرًا، لا سيما في العاصمة الخرطوم، وكان التلويح من المواطنين من داخل المواصلات العامة بعلامة رفع الإصبع بإشارة (لايك)، وتعني الإعجاب بالحملة”.

ويعتبر عبد الرحمن، أن الأسباب التي تدعو الفتيات لتغيير لون بشرتهن، “تتمثل في الترويج الكبير في التلفزيونات، ومواقع التواصل الاجتماعي، بأن اللون الأبيض يمثل رقم واحد في العالم”.

بدورها ترى الناشطة النسوية رؤى ماهر، أن “هدف مبادرة (ما تفسخي يا بتنا) جميل ونبيل، خاصة وأن الفتيات بدلًا من اللجوء لتفتيح ألوان بشرتهن درجة أو درجتين نسبة لأجواء السودان الحارة، يلجأن للتبييض، ما يجعل اللون غريب جدا”.

وتضيف رؤى للأناضول، أن المبادرة “توضح بشكل كبير أسباب تفتيح البشرة التي ترتبط بعدم الثقة في النفس، والهوية، والعرق الإفريقي، خاصة وأن السودان يضم ألوانا متعددة”.

وتردف “نحن في السودان لدينا أشخاص لديهم عقدة اللون الأبيض، لكن الغالبية يريدون تغيير ألوانهم إلى الأجمل، لكن التغيير إلى درجة سلخ الجلد مسألة غير جيدة”.

وتتابع رؤى “أنا ضد تغيير لون البشرة، لأنها تحتوي على آثار جانبية، وتؤثر على صحة الفتيات، وتسبب السرطانات في المستقبل، وأنا مع الاهتمام بالبشرة لكن بمساحيق طبيعية”.

وسبق أن دشنت طالبات في كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم، مبادرة عنوانها “بشرتي لونها لون الذهب”، لمكافحة ظاهرة استخدام مساحيق التبييض، والمحافظة على البشرة الطبيعية.

ورغم الاستجابة التي حظيت بها المبادرة الحالية، والمبادرات الأخرى، إلا أنها تبقى محدودة، ولا يزال هناك الكثير لفعله من أجل إقناع الفتيات بالإقلاع عن استخدام المبيضات كما يأملن طالبات الصيدلة.

بهرام عبد المنعم – الخرطوم
وكالة الأناضول