الإقتصاد .. البنك المركزى وعطب القلب !(2)
ولأن الأوعية المعنية بتطبيق موجهات المركزي وصولا لتحقيق هدفيه لهذا العام .. الذي يلفظ أنفاسه .. هي الأساس .. فلنقرأ ما نصت عليه سياسته 2020 و موجهاته .. تضمنت الموجهات تحديث وتعزيز حوكمة المصارف بإلزام مجالس إداراتها بممارسة مزيد من الشفافية تجاه إدارة الأموال بما يحقق الحوكمة الرشيدة وإتاحة الفرصة لصغار المساهمين للتمثيل في مجالس الإدارات إضافة لتدعيم مجلس الإدارة بعدد إضافي من الخبراء ومنحهم صلاحيات أوسع وفصل المهام بين المستويات الإشرافية والتنفيذية ومنح الإدارات التنفيذية مزيدا من الاستقلالية وتطبيق أفضل الممارسات التي تعزز استمرارية المصارف وديمومة الوساطة المالية الذي تقوم به) .. هذه الموجهات تفترض بالطبع أن المركزي قد بدأ بنفسه .. فلننظر ماذا فعل المركزي في ذلك غدا ) .. ختمنا تحليلنا أمس بهذه التساؤل .. وها نحن نبحث اليوم في الإجابة .. وأن نبدأ من مجلس الإدارة أو مجالس الإدارات .. فذلك لسببين .. الأول أن الأصل في الإصلاح أن يبدأ من أعلى، .. والثانى أنه وبإجماع كثير من منسوبي الجهاز المصرفي أن جل المخالفات المصرفية إنما يكون وراءها أعضاء من مجالس الإدارات .. إما بالتورط في تلك المخالفات مباشرة .. أو بتوفير الحماية للمخالفين .. أو المستفيدين من تلك المخالفات .. وتلك قصة أخرى ولنبدأ بالبنك المركزي نفسه ..!
وأخشى أن نبدأ بالمقولة الشهيرة .. أن أول الآية كفر .. فتشكيل مجلس إدارة بنك السودان المركزي قد نص على الآتي .. ينشأ مجلس لإدارة البنك من سبعة أشخاص على الوجه الآتي .. المحافظ رئيساً .. نائبا المحافظ أعضاء .. وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني عضوا .. ثلاثة سودانيين من ذوى المؤهلات والكفاءة العالية والخبرة يعينهم رئيس الجمهورية أعضاء .. أخيرا يكون المجلس مسؤولا لدى رئيس الجمهورية .. و معروف أنه وبموجب الوثيقة الدستورية فأينما وردت عبارة رئيس الجمهورية .. حلت محلها عبارة .. رئيس مجلس الوزراء الانتقالي .. هذا أمر شكلى بالطبع ولكن ماذا عن الموضوع .. نقتبس من موجهات سياسات البنك المركزي هذه الفقرة (وفصل المهام بين المستويات الإشرافية والتنفيذية ومنح الإدارات التنفيذية مزيدا من الاستقلالية ).
وهنا يتحدث المنشور عن ضرورة منح الجهاز التنفيذي الصلاحيات الكاملة للقيام بدوره .. تحسبا لتغول السلطة الإشرافية على العمل التنفيذي .. ولكن ماذا تقول عزيزي القارئ وقد انقلبت الآية هنا .. فتغول الجهاز التنفيذي وأصبح ممسكا بخناق الجهاز الإشرافي مسيطرا عليه ..فمجلس الإدارة المكون من سبعة أعضاء .. ومهمته الأساسية الإشراف على أداء الجهاز التنفيذي .. يرأسه المحافظ .. الذي هو المسئول التنفيذي الأول في البنك المركزي .. ليس هذا فحسب .. بل يحيط به عن يمينه وعن شماله في مجلس الإدارة .. نائباه وهما القياديان التنفيذيان الأعلى في البنك .. بل ورابعهم وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني.. الذي يكون بالضرورة أقرب الى ثلاثي المركزي لتقارب المصالح .. إن لم يكن تطابقها لا تضاربها .. منه الى الثلاثي الآخر القادم من الخارج .. لتكتمل السيطرة العملية من قبل الجهاز التنفيذي على الجهاز الإشرافي .. وللمفارقة فإن موجهات المركزي التي حرصت على النأي بالجهاز التنفيذي عن هيمنة الجهاز الإشرافي .. لم تتردد في وضع الجهاز الإشرافي عندها تحت رحمة التنفيذي .. !
والحال كذلك .. فالسؤال .. لأي مدى يكون البنك المركزي قادرا على فرض رؤاه على بقية الجهاز المصرفي إن كان هو نفسه يعاني مثل هذا الخلل .. وهناك معضلتان ننهي بهما تحليل اليوم .. الأولى أنه وإن أشرنا إلى وجود نائبي المحافظ في مجلس الإدارة .. فالواقع أن المركزي به نائب واحد حتى الآن .. وهو المسئول عن السياسات .. أما المعضلة الثانية فهي أن النائب الغائب هو المسئول عن متابعة مدى التزام الجهاز المصرفي بتلك السياسات .. وهو ما يعرف هناك .. بالرقابة على الجهاز المصرفي ..! وهذا موضوعنا غداً. .
محمد لطيف
السوداني