(# رايحين _ عجهنم)
(1)
كلمة واحدة أطلقها الرئيس اللبناني ميشال عون في مؤتمره الصحافي أول أمس كانت كافية لتلخيص وصول تعقيدات الحالة السياسية، المعقدة أصلاً، في بلاده إلى أقصى مداها على مصير مظلم، لتطلق هذا الهاشتاق ليصبح الاكثر انتشاراً وتعليقاً عليه ليس وسط اللبنانيين فحسب بل في معظم فضاء الوسائط الإعلامية العريض، فقد عقد العماد عون مؤتمره الصحفي في قصر بعدا، مقر الرئاسة اللبنانية، ليطلع الرأي العام على تعثر جهود تأليف الحكومة الجديدة إلى طريق مسدود، وتهديد رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، سفير لبنان لدى ألمانيا، بالتخلي عن المهمة على الرغم من الإجماع الذي حظي به تكليفه بين الفرقاء اللبنانيين بعد تفجير مرفأ بيروت الشهر الماضي، وتحت الضغوط الدولية التي قادها الرئيس الفرنسي ماكرون.
(2)
بدا الرئيس عون متشائماً حيال المستقبل منحياً باللائمة على جناحي الطائفة الشيعية لتمسكهما بالحفاظ على وزارة المالية، وحين سألته صحافية “لوين رايحين” ونحن لا نملك ترف الوقت للمناورات بعد رفض الأطراف المعنية لمقترحاته لحل الإشكال، أجابها ببساطة “طبعا عجهنم”، أي ذاهبون إلى الجحيم. بالطبع لم يكن الجنرال السياسي المخضرم ميشال عون يصدر فتوى بشأن المصير في الدار الآخرة، بل كان يتحدث عن مصير بائس توشك أن تُقاد إليه لبنان بسبب تزايد حدة ووطأة الصراع السياسي الداخلي بسبب تعقيدات المحاصصة الطائفية التي تأسس عليها نظامه السياسي، وزاده اضطراباً تقاطع المصالح والتدخلات الأجنبية الكثيفة المتصارعة على أرضه.
(3)
جال بخاطري السؤال نفسه وأنا أتابع المؤتمر الصحافي للرئيس عون، وباب المقارنة بين الحالتين اللبنانية والسودانية مفتوح على مصاريعه مع اختلاف في السياقات وبعض التفاصيل، إلا أن المحصلة واحدة تبايناً في المقدار لا الكيف، فتاريخ السودان الحديث ظل أيضاً نهبا لاضطراب مستدام بسبب صراع سياسي غير رشيد تداخلت فيه عوامل شتى خلّقت نظام محاصصات غير مرئي بروافع عسكرية، وطائفية، ومناطقية وجهوية، وتركيز للسلطة والثروة في أيدي طبقة متماهية تتبادل كراسي السلطة، وأنتجت صراعاً بين مركز مهيمين، وهامش مستلب، ومثل الحالة اللبنانية ظلت الأجندة الخارجية حاضرة باستمرار، وإن تغير بعض اللاعبين أحياناً، لكن بقيت تلعب دوراً حاسماً في تشكيل أسس ومرتكزات الدولة السودانية الحديثة لتضمن خدمة مصالح القوى الأجنبية.
(4)
ولا يختلف واقع الحال في السودان اليوم عنه في لبنان، ومثلما أن “وثيقة الوفاق الوطني اللبناني” المعروفة ب”اتفاق الطائف” الذي رعته السعودية في العام 1989 لوضع أسس تعايش تتجاوز مأزق الحرب الأهلية بعد عقد ونصف أثبتت فشلها في تجاوز صيغة المحاصصة الطائفية التي ارتكز على توازناتها استقلال لبنان في العام 1943، كذلك أثبتت معادلة الاستقلال السوداني، والحرب الأهلية التي أنتجتها، ثم “اتفاقية السلام الشامل” في العام 2005، وما تناسل على نسقها من اتفاقات لاحقة، مع كل الإجماع والرعاية التي حظيت بها من المجتمع الدولي، ومباركة الأطراف السودانية المختلفة أنها لم تكن قادرة على تجاوز الاختلالات الهيكيلة التي ولدت بها الدولة السودانية، بفعل كثافة التدخلات الخارجية وتقاطعات مصالحها وضعف الإرادة الوطنية تشرذمها، وكانت النتيجة تقسيم البلاد، وإعادة إنتاج الحرب، واستمرار حالة الصراع في الشطرين المنقسيمن وللمفارقة بالمبررات والمعطيات نفسها.
(5)
لذلك لن يكون مستغرباً أن نطرح سؤال الصحافية اللبنانية نفسه “نحن ماشين لوين، وموديننا وين”، ولا نحتاج لمن يجيبنا هنا من قادة الطبقة الحاكمة الحالية بشقيها العسكري والمدني المنشغلين بالتدافع لـ،”حلب بقرة تحتضر”، لذا يكفينا استلاف تعبيره “طبعا رايحين عجهنم”، فالصراع على أشده بين أطراف اللعبة السياسية الحالية لحجز مقاعد في مسرح إعادة تشكيل الدولة السودانية الذي يجري حالياً على قدم وساق بإرادة أجنبية ولخدمة مصالح قوى خارجية، كما جرى دائماً منذ التأسيس وعند المنعطفات المختلفة، وكما ظل هو الحال دائماً بأيدٍ محلية، تحت بريق شعارات رنّانة، وكانت النتائج المتكررة هي قبض الريح من الوعود التي لا تتحقق أبداً، ولو صدقت مرة واحدة، لما كان هذا حالنا اليوم. والطربق إلى جهنم مفروش أمام الذين لا يقرأون ولا يتعلمون من تاريخهم.
خالد التيجاني النور
السوداني