التطبيع.. واشنطن وكتابها القديم !
الذين يعتقدون أن حملة التطبيع الجديدة تستهدف حصار القضية الفلسطينية مخطئون.. والذين يظنون أن حملة التطبيع الجديدة ستعين على محاصرة الغلو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين واهمون.. فكثيرة هي الدلائل التي تشير الى أن حملة التطبيع الجديدة لا صلة لها بالقضية الفلسطينية..وهي ليست معنية بالأولى ولا بالثانية.. ودعونا نعود للملفات القديمة.. واحدة من القرارات المبكرة التى اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أن يستقر في مكتبه البيضاوي بالبيت الأبيض هو.. إلغاء الاتفاق النووي الإيراني الذي كان قد أبرمه سلفه باراك أوباما بمباركة دولية واسعة.. باعتباره المدخل الأنسب لتكريس الأمن والسلم الدوليين.. ولكن كان لترامب رأي آخر.. فمضى شوطا بعيدا في التصعيد ضد إيران.. توج ذلك التصعيد.. إن جاز التعبير.. بتصفية القائد الإيراني قاسم سليماني..!
ثم نتصفح كتاب واشنطن القديم.. لنقرأ فيه أن القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب ضمت في من ضمت.. إيران والسودان.. ثم نقرأ بين السطور.. من ذات الكتاب.. أن العلاقات السودانية الإيرانية.. مقروءة مع وقائع أخري بالطبع.. عززت قناعة واشنطن.. أن السودان جزء لا يتجزأ من الإرهاب الدولي الذي كانت واشنطن تعتبر إيران ولا تزال.. رأس الرمح فيه..!
ونعود إلى الحاضر.. لنجد أن ملف التطبيع مع إسرائيل.. والذي تديره الآن واشنطن عبر وزير خارجيتها مايك بومبيو.. وبإشراف مباشر من الرئيس ترامب.. قد وضع على رأس قائمته أربعا من الدول..هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان.. فإذا كانت الدول الثلاث الأولى قد ظلت منذ سنوات جزءا من الحلف الأمريكى ضد إيران.. لاعتبارات آيديولوجية و إستراتيجية تتعلق مباشرة بأمنها القومي.. فقد يكون محيرا وجود السودان فى قائمة أولويات واشنطن للتطبيع.. وهنا تظهر أهمية التاريخ.. وما أشرنا إليه سابقا من الربط الأمريكى بين إيران والسودان.. كل ذلك مقروءا بالتعنت الأمريكى تجاه رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. وهذا ما يجعل المراقب يجزم بأن واشنطن لا تزال تقرأ من ذلك الكتاب القديم.. الذي ربط السودان بإيران.. ثم قادها.. ضمن أسباب أخرى.. إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب.. وهذا ما يرجح أن مسألة تعويضات الضحايا.. وكل الشروط التي تطرحها واشنطن في كل مرة.. ما هي إلا محاولات لذر الرماد في العيون.. حتى ينجز السودان الشرط الأساسي.. وهو الحصول على المصل المضاد لجرثومة إيران.. والذي هو التطبيع مع إسرائيل.. فربما تعتقد واشنطن أن السودان لا يزال في دئرة الخطر.. خطر العودة إلى مربع الشر..وقد يستصعب البعض هذا التحليل.. وقد يستبعده البعض الآخر.. ولكن الذين يتابعون طرائق التفكير الأمريكي.. لابد وأن يجدوا فيه بعض المؤشرات التي تعززه..!
إذن.. القاسم المشترك الأعظم في كل ما تفعله واشنطن الآن بشأن التطبيع مع إسرائيل..هو إيران وليس فلسطين.. فبالنسبة للخليج.. الإمارات والبحرين.. ومن خلفهما السعودية.. يتحقق الحصار المباشر لإيران.. ثم يعطي الوجود الإسرائيلي هناك.. موقعا متقدما لواشنطن للإطباق.. وربما الإجهاز على نظام الملالي في طهران.. وبالنسبة للخرطوم.. فالتطبيع مع إسرائيل.. هو في رأي واشنطن.. اللقاح الوحيد لتعافيها من دنس الإرهاب الدولي.. ثم الترياق الذي يقفل الباب نهائيا أمام أي تسلل إيراني جديد إلى المنطقة..!
محمد لطيف
السوداني