مقالات متنوعة

يعرف أكثر مما ينبغي .. إذن هو الأفضل !


حين تقلد بان كي مون منصب الأمين العام للأمم المتحدة في مطلع العام 2007 كتبت تحليلا بعنوان .. رجل يعرف اكثر مما ينبغي .. وقلت إنه ورغم أن هذه العبارة في عرف أجهزة الاستخبارات تقود المعني بها إلى المقصلة مباشرة .. إلا أنها في حالة كي مون ربما تكون مختلفة .. وبررت ما قلت يومها .. أنه لما كان الرجل وزيرا لخارجية بلاده .. كوريا الجنوبية .. كانت ابنته ” هَنهِي ” تعمل متطوعة ضمن فرق الأمم المتحدة العاملة آنذاك في دارفور .. وقلت إن كي مون لا بد وقد تلقى العديد من الإفادات من ابنته الموجودة على الأرض .. وبين الضحايا .. بعيدا عن التقارير الرسمية .. !والآن .. وفيما يدور الجدل حول من يرأس البعثة الأممية القادمة إلى السودان .. يكاد ذات المشهد يتكرر .. وبتفاصيل أقوى بكثير من مجرد وجود ابنة لبضع سنوات في منطقة يجد الأب نفسه مسئولا عنها .. !

كانت اولى الأسماء التى برزت كمرشح لقيادة البعثة الأممية الجديدة إلى السودان .. إسم السيد نيكولاس هايسوم .. الموظف الأممي .. الذي جعلته الصدفة وحدها ربما .. ممثلا في ذلك الوقت للأمين العام للأمم المتحدة في الخرطوم وجوبا .. هايسوم الأفريقي القادم من جنوب افريقيا .. والذي بدا متحمسا لمشروع البعثة الأممية .. حتى أنه انخرط في سلسلة من اللقاءات والمشاورات في الخرطوم .. لحشد التأييد لمشروع البعثة .. بدا للبعض مناسبا لقيادتها ايضا .. !

ولكن العديد من الدوائر السياسية داخل وخارج السودان .. لم تكن ترى ذات الرأي .. لاعتبارات كثيرة ليس من بينها قدح في الرجل نفسه .. ولكن بالنظر إلى الدولة والإقليم القادم منهما على حد سواء .. ! فالمعروف أنه ووفقا لطلب حكومة السودان .. ثم تفويض مجلس الأمن .. فأبرز مهام البعثة الأممية القادمة .. ورئيسها بالضرورة .. هو حشد الدعم السياسى و الدبلوماسي والمالي .. لحكومة السودان الانتقالية .. مما يعني أهمية أن تتوفر لرئيس البعثة مواصفات تؤهله للقيام بهذا الدور ..!

والحال كذلك .. كان طبيعيا أن يبرز اسم مرشح آخر هو .. جين كريستوف بيلارد .. الفرنسي الجنسية .. ليس هذا فحسب .. بل هو مسئول العلاقات الخارجية السابق بالاتحاد الأوروبي .. ثم نكتشف أنه .. ايضا .. يعرف اكثر مما ينبغي حين نعلم أنه متزوج من سودانية .. مما يوفر لديه اهتماما استثنائيا بالسودان .. ثم إنه تربطه علاقات قوية مع بعض القوى السياسية السودانية .. عليه يكون طبيعيا أن يكون السودان محل اهتمام حقيقي بالنسبة له .. مقروءا كل ذلك مع مزاياه العامة حيث يمثل دولة ذات ثقل .. وإقليما مؤثرا .. ينتظر أن يلعبا دورا محوريا في دعم السودان .. وغني عن القول أن تحركات رئيس الوزراء الخارجية لم تكن بعيدة من هذا الترشيح .. إن لم نقل أنه هو نفسه لم يكن بعيدا عن تلك التحركات .. ونذكر هنا مرور رئيس الوزراء بفرنسا عقب زيارته للولايات المتحدة .. بدت باريس يومها متحمسة لإلغاء ديون السودان ولكنها إصطدمت بالعقوبات الأمريكية .. ولا يزال التعهد الباريسي قائما .. رهينا فقط بإلغاء العقوبات .. ثم إن ذلك مقروءا مع التعهد الفرنسي الآخر .. برئاسة مؤتمر شركاء السودان القادم .. وحال رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب .. يعنى أن الدور الفرنسي سيكون كبيرا .. والمؤكد أن مهمة مواطنها في الخرطوم .. ستحصل على دعم دولي مؤثر .. ولا شك ..!

يتحفظ البعض على الرجل بحسبانه قادما من خارج ..السستم .. أي لم يكن موظفا بالأمم المتحدة .. ولعل المزايا الأخرى التى يحملها تجعل من مسألة السستم الأممى أمرا ثانويا .. إذا أخذنا في الاعتبار أن نائبه سيكون واحدا من رجال السستم العريقين .. ألا وهو السيد ابوبكر سيسي .. السنغالي الجنسية .. والذي سبق له العمل لمدة اربعة عقود بالأمم المتحدة .. وقد وصل الخرطوم بالفعل ممثلا للأمين العام للأمم المتحدة .. ووفقا لأمر تشكيل البعثة الجديدة سيكون هو نائب رئيسها .. مما يجعل من مسألة المحافظة على .. السستم الأممي .. أمرا مفروغا منه ..!

محمد لطيف
السوداني