مقالات متنوعة

في تذكر بروفسير بشير.. وتذكير بروفسير خوجلي!


كانت واحدة من مزايا العمل فى صحيفة “الأيام” العريقة.. بجوار بشير والمحجوبين بالطبع، أنها تتيح لك فرصة التعرف إلى أناس لا يتكررون.. واحد من هؤلاء كان الراحل المقيم البروفسير محمد عمر بشير، وعلى كثرة لقاءاتي به، لا أذكر أنني رأيته يوماً في سيارة.. بل دوماً على قدميه، وبحيوية ونشاط يحسدان عليه.. سألته يوماً عن سر إصراره على المشي، أجابني دون أن يتوقف وأنا أهرول خلفه: (يابني المشي يساعد على التفكير).. ثم أضاف (والهواء النقي يساعد على إنضاج الأفكار).. وبقدرما رفد البروف المكتبة السودانية بعظيم المؤلفات، متقدما على عصره في كثير من الأطروحات، وبقدرما أسهم فى تقديم الحلول الكبيرة لكثير من القضايا السودانية، المائدة المستديرة نموذجا، إلا أنه في تقديرى الخاص قد تفوق على نفسه وهو يبدع ويصيغ ويطور فكرة الجامعة الأهلية، مستلهما تلك الأفكار العظيمة التي جعلت من التعليم؛ واجباً شعبياً مقدساً من الدرجة الأولى، بدءا من معهد القرش ومروراً بالمدارس الأهلية، فجاء بالجامعة الأهلية، كأول وآخر جامعة مملوكة للشعب، حقيقة لا إصطلاحا..!

تداعى رهط من أبناء السودان حول فكرة البروف وشرعوا في تنزيلها الى أرض الواقع منذ العام 1983 لترى النور في العام 1986 على يد البروفسير عبد الرحمن ابوزيد كاول مدير لها تدعمه مجموعة من الخيرين فى مجلس الأمناء يتقدمهم صالح عبد الرحمن يعقوب ودفع الله الحاج يوسف ومحجوب محمد صالح ولم يغب آل عبادي وآل بدري وآل نقدالله.. وغيرهم من أبناء السودان المؤمنين بأن المواطن سند الوطن.. لتصل الأهلية اليوم لما يقارب الخمسون ألف خريج في مختلف التخصصات..!

ومياه كثيرة جرت تحت جسر الأهلية.. وهي تتنقل من مواقع مستضافة إلى مستأجرة إلى مملوكة بالكامل، بما يعد إنجازا حقيقيا لمؤسسة تقوم على الجهد الشعبي الطوعي.. وفي كل هذا ظلت الأهلية معلما بارزا فى المشهد السياسي، بإصرار أسرتها على الوقوف دوما في الضفة الأخرى، أي المقابلة للنظام.. لذا كان طبيعيا أن تظل الأهلية محل استهداف منظم؛ من الأجهزة والتنظيمات على حد سواء.. كان ذلك مفهوما بالطبع، ومفهوما كذلك أن تعاني الجامعة الأمرين في أوضاعها.. ولكن غير المفهوم؛ أنه وفي الوقت الذي ينبغي فيه للجامعة أن تحصد ثمن صمودها ذاك، وأن تجني ثمرة معاناتها تلك، في زمن سلطة الشعب، أن تستمر معاناة الجامعة إداريا وماليا، فتغيب الأجهزة التي ظلت تشرف على استقرار الجامعة المالي والإداري وحتى الاجتماعي، وتغيب أية عناية حكومية، أو تمييز إيجابي تستحقه، حتى لجهة الإعتراف بدور الرموز التاريخية وتقدير ما قدموه بتمكينهم من الاستمرار في أداء واجبات ارتضوا طوعا أن يقوموا بها..!

ولئن كان من المفرح أن تطلق منظمة خريجي جامعة ام درمان الأهلية نداء دعم الجامعة وتستنفر خريجيها لدعمها.. فالمحزن والمفجع، أن ثمة جهة حكومية؛ تتأهب لتلتهم ما سيجود به الخيرون من خريجيها، إنه ديوان الزكاة، الذي يلاحق الجامعة بملياري جنيه، مع الرأفة.. ربما يكون من حسن حظ الأهلية أنها وقعت بين قوسين، هما بالأحرى قطبين من أقطاب السودان، فلئن كان صاحب المبادرة هو البروفسير محمد عمر بشير، فإن هذه الأمانة قد آلت الآن إلى البروفسير مصطفى خوجلي، الذي يذكر الناس أنه أكاديمي منضبط محل احترام العالم، قبل أن يتذكروا أنه شيوعي.. ولئن كان الاختيار قد وقع على الرجل قبل نصف قرن ليكون رئيسا لحكومة السودان كله.. فالمؤكد أنه لن يعجز عن مهمة انتشال الأهلية من وهدتها.. ولن نفعل غير أن نذكر البروف بضرورة المحافظة على أمانة البروف وعهدة الشعب طرفه فى زمن؛ سلطة الشعب..!
محمد لطيف
السوداني