تحقيقات وتقارير

السودان .. ثمن باهظ للخروج من لائحة الإرهاب

فتح وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب قريبا، الباب واسعاً أمام التساؤلات حول توقيت الخطوة، والأثمان التي ستدفعها الحكومة السودانية، والتي تتخطى الشق المرتبط بدفع 335 مليون دولار كتعويضات لضحايا هجمات القاعدة في عام 1998 على السفارات الأميركية والكينية والتنزانية، والتي أسفرت عن مقتل 200 شخص. وتتجه الأنظار إلى الشق السياسي المنتظر أن تسدده الخرطوم، خصوصاً بعدما ربطت الولايات المتحدة طوال الفترة الماضية قرار رفع اسم السودان من القائمة بالتطبيع مع إسرائيل.

وعلى الرغم من أن ترامب لم يشر إلى حدوث اختراق في ملف التطبيع في تغريدته التي أعلن فيها حدوث انفراجة مع السودان، ونفي أكثر من مسؤول سوداني ارتباط الملفين (رفع العقوبات والتطبيع)، إلا أن المعلومات المتقاطعة من مصادر أميركية وأخرى سودانية ومصرية تؤكد أن الاتصالات في الكواليس تشير إلى وجود حراك في هذا الاتجاه، لا سيما بعدما كان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان قد أسس لهذا الأمر من خلال اللقاء الذي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير/ شباط الماضي.

يضغط ترامب من أجل الإعلان عن علاقات مع إسرائيل

وقال مسؤول أميركي، لوكالة “رويترز”، إن الاتفاق قد يؤذن ببداية تحركات من السودان نحو إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لكن العمل لا يزال قائماً على التفاصيل. وقال مسؤول آخر إن أحد الاحتمالات هو أن تترك أميركا الأمر للسودان وإسرائيل لإعلان اتفاق على إقامة علاقات علناً في وقت لاحق، ربما في الأيام المقبلة. وكان مسؤولون أميركيون قد ربطوا الشطب من القائمة بالتطبيع مع إسرائيل. في موازاة ذلك، قال مصدران كبيران بالحكومة السودانية، لوكالة “رويترز”، إن حذر الخرطوم يعكس مخاوف من أن يؤدي مثل هذا التطور في السياسة الخارجية، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية عميقة، إلى اختلال التوازن الدقيق بين العسكريين والمدنيين، بل وتعريض الحكومة نفسها للخطر. وقال أحد المصدرين “اتخاذ قرار تاريخي بخصوص العلاقات مع إسرائيل يتطلب وضعاً فيه استقرار اقتصادي وسياسي في البلاد”. وأضاف “بعد رفع العقوبات الأميركية يمكن للسودان أن يناقش الحوار بشأن التطبيع مع إسرائيل وفوائده للسودان وفقاً لمصالح السودان”.

بدورها، أبقت وزيرة المالية السودانية هبة محمد علي جميع الاحتمالات قائمة. وأشارت، في تصريح للتلفزيون السوداني، مساء أمس الأول، إلى الاتفاق مع الإدارة الأميركية على حزمة من الحوافز، منها إعفاء السودان من ديونه والحصول على مساعدات غذائية. لكن محمد علي لم توضح ما هو الثمن الذي على السودان دفعه. واعتبرت هبة محمد علي، رداً على سؤال عن التطبيع، أن السودان وحده من يحدد سياسته الخارجية ويقرر بشأنها في التوقيت المناسب.
وجاءت هذه التصريحات لتزيد من التضارب في مواقف المسؤولين السودانيين، وبينما أعاد وزير الخارجية عمر قمر الدين، في مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء، التأكيد على عدم إرتباط ملف الإزالة وملف التطبيع وأي موضوع آخر، نفى وزير الإعلام، المتحدث باسم الحكومة فيصل محمد صالح، فكرة التطبيع مقابل الشطب. وقال، في تصريح، إن ملف إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب منفصل تماماً عن ملف التطبيع، والحكومة لم تنكسر أمام ضغوط جهات إقليمية ودولية للربط بين الملفين. وكرر أن الحكومة الحالية لن تتخذ قراراً بشأن العلاقة مع إسرائيل، إلا بعد نقاش مجتمعي سياسي تشارك فيه كل التيارات، ومناقشات أخرى عبرالمجلس التشريعي (البرلمان) المقرر تشكيله قريباً.

بدوره، أكد المستشار الإعلامي لمجلس الوزراء فائز السليك أن كل جهود الحكومة الانتقالية وحوارها مع الإدارة الأميركية كان حول ملف إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، وأن الحكومة فعلت ما عليها بدفع أموال التعويضات. وأوضح السليك، لـ”العربي الجديد”، أن رد رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك على وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أثناء زيارته للخرطوم في أغسطس/ آب الماضي، كان واضحاً، وهو أن موضوع التطبيع قرار ليس من اختصاص الحكومة الانتقالية.

وكان ترامب قد قال في تغريدة، مساء أمس الأول، إن الحكومة السودانية وافقت على دفع تعويضات بقيمة 335 مليون دولار لضحايا الإرهاب الأميركيين وعائلاتهم. وأضاف “بمجرد إيداع المبلغ، سأرفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب”. وتابع “أخيراً، إنها العدالة للشعب الأميركي وخطوة كبيرة للسودان”. وسارع رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك للإعلان أنه تم تحويل المبلغ المالي الذي وضعه ترامب شرطاً ليصدر الأمر التنفيذي. وقال حمدوك في بيان، فجر أمس: “هذا القرار يؤهل السودان للإعفاء من الديون”. وأضاف “نحن اليوم ديوننا أكثر من 60 مليار دولار. بهذا القرار يفتح المجال للإعفاء”. واعتبر أن القرار “يساعد على فتح الباب أمام الاستثمارات الدولية والإقليمية والاستفادة من التكنولوجيا، إذ بقينا أكثر من عقدين محرومين من ذلك نتيجة للعقوبات”.

نفى وزير الإعلام الربط بين رفع اسم السودان والتطبيع

وخلق الوعد الأميركي حالة من الارتياح في الأوساط الحكومية السودانية، اعتقاداً منها بأن الإجراء، حال اكتماله، سيخرج البلاد من عزلتها التي امتدت لسنوات.
غير أن ثمة استفهامات وتساؤلات وسط السياسيين والإعلاميين وعلى وسائط التواصل الاجتماعي عن الثمن الذي وجب أن تدفعه الخرطوم، أو بالأحرى دفعته، مقابل إكمال شطب اسمها من القائمة السوداء التي أدرجت فيها منذ العام 1993، وفشلت كل المحاولات خلال 27 سنة في حذفها منها. واعتبر مراقبون للشأن السوداني أن هناك ثمناً آخر غير مبلغ 335 مليون دولار سيتم دفعها لأسر ضحايا الهجمات، وخصوصاً أن هذا المبلغ يقل عن 356 مليون دولار تبرعت واشنطن بها دعماً للحكومة الانتقالية، وذلك عبر مؤتمر شركاء السودان في يونيو/ حزيران الماضي. ورجح مراقبون وجود فواتير أخرى على الخرطوم تسديدها، ومن بينها التطبيع مع تل أبيب، وهو الشرط الذي وضعته واشنطن في آخر جولة تفاوض مباشر مع الحكومة السودانية في أبوظبي، التي تحرك قطار التطبيع العربي مع الاحتلال.

وفي السياق، قال الأمين السياسي لحزب “الإخوان المسلمين” حسن عبد الحميد، لـ”العربي الجديد”، إن كل الدلائل تشير إلى أن السودان سيوقع على إعلان سياسي مع إسرائيل والولايات المتحدة، يوافق فيه رسمياً على ثمن التطبيع، على أن يتم تأجيل تبادل السفارات والعلاقات الطبيعية في الوقت الراهن إلى حين تدبير أمره سياسياً، عبر إكمال ما تبقى من المؤسسات، بينها البرلمان. وأشار إلى أن أكثر ما تتخوف منه حكومة حمدوك هو الغضب الشعبي الرافض للتطبيع، وهي تخشى تراكم الغضب بعد فشلها الاقتصادي، ما يؤدي إلى سقوطها.

وهذا ما أكده القيادي في “حركة الإصلاح الآن” أسامة توفيق، الذي أشار في حديث لـ”لعربي الجديد”، إلى أن الثمن الحتمي المفروض على الحكومة هو الاستجابة لرغبة دونالد ترامب وتنفيذ خطة تصفية القضية الفلسطينية، المعروفة باسم “صفقة القرن”، التي دشنتها الإمارات والبحرين. وأضاف أن تكتم الحكومة على موضوع التطبيع والقول بعدم ربطه بإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب هدفه بث تطمينات وسط الحاضنة السياسية، أي تحالف “قوى الحرية والتغيير” الحاكم.

الخرطوم – عبد الحميد عوض
العربي الجديد