أنا أعترض!
* لم نستغرب مسارعة الحزب الشيوعي إلى رفض توجه الحكومة للتطبيع مع إسرائيل، فهذا الحزب المتكلس الهرِم يبدو أنه خُلق أصلاً كي يرفض ويستنكر ويستهجن ويعارض، حتى ولو ابتسمت له الدنيا، ومنحته نصيباً من السلطة، بعد دهورٍ من المعارضة والاختباء تحت الأرض.
* (الشيوعي) الذي دخل بأكثر من (صرفة) في مؤسسات الحكم الانتقالي، وشارك بأكثر من سهم في كنانة قوى الحرية والتغيير رفض الاتفاق الذي أبرمته قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري، ورفض ما احتوته الوثيقة الدستورية، مع أنه شارك في كل جلسات التفاوض المؤدية إليها، بعضو لجنته المركزية صديق يوسف، مثلما رفض المحاصصة التي انبنت عليها تركيبة السلطة التنفيذية برئاسة حمدوك، ثم شارك بالعديد من كوادره فيها من وراء ستار.
* قائمة الرفض والاستنكار والاعتراض المتعلقة بالحزب العجوز طويلة ومتنوعة، بل إننا لا نكاد نذكر له قبولاً لأي موقفٍ أو قرارٍ أو توجهٍ للحكومة الحالية.
* هو يقف على الدوام في موقف الرافض والمناوئ لكل شيء، وفي كل الأوقات.
* رفض الحزب سياسة التحرير الاقتصادي التي تبنتها حكومة حمدوك، ووصفها بالانقياد لوصفة صندوق النقد الدولي، ورفض رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية، ورأى أنه يفاقم الأزمة الاقتصادية، ورفض التعديلات التي أجراها رئيس الوزراء على حكومته، بقبول استقالة خمسة وزراء وإقالة السادس، واعترض على رئاسة حميدتي للجنة الطوارئ الاقتصادية، واستهجن تعيين الولاة على أساس المحاصصات الحزبية، واعترض على اتفاقية السلام الموقعة في جوبا.
* قبل ذلك رفض الحزب الشيوعي لقاء البرهان ونتنياهو في كمبالا، ورفض توجه الحكومة للتطبيع مع إسرائيل، ورفض المفاوضات التي جرت من وراء ستار في الإمارات.
* كذلك اعترض الحزب الشيوعي على مقترح حل الحكومة الانتقالية، مع أنه رفض واستنكر وشجب كل ما صدر عن الحكومة التي رفض حلها، ولم يؤيدها في أي قرار اتخذته، و(كاجرها) في أي توجهٍ نَحته.
* المهم عند الشيوعيين أن يرفعوا العقيرة بالمعارضة في كل المواقف، من دون أن يطرحوا حلولاً بناءة، أو يقدموا مقترحاتٍ بديلةً لما يرفضوه.
* معارضة (الشيوعي) للتطبيع انبنت على افتراضٍ غريبٍ، مفاده أن إسرائيل قادمة إلى السودان للاستيلاء على أراضيه، والاستيطان فيها!
* سبقت مصر والأردن كل الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل عبر اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة، والثابت أن الدولة العبرية لم تأخذ أي شبرٍ من أراضي الدولتين، بل إنها انسحبت من سيناء وسلمتها إلى مصر بالكامل بعد توقيع الاتفاقية، وانسحبت لاحقاً من مدينة طابا بعد أن قبلت التحكيم الدولي لتحديد هويتها.
* قبل أيام من الآن أبرمت إسرائيل اتفاقاً للتطبيع مع الإمارات والبحرين، فهل يعني ذلك أن اليهود سيهاجرون إلى الخليج للاستيلاء على أراضيه، وأنهم سينتزعون دبي والشارقة من الإماراتيين، والمنامة من البحرينيين؟
* كم تبلغ مساحة البحرين مثلاً، كي يفكر اليهود في الاستيلاء عليها؟
* لسنا هنا في مقام الدفاع عن التطبيع، لكننا لا نرى في الافتراض الفطير الذي وضعه الحزب الشيوعي مبرراً كافياً للرفض، إذ كان يكفيه أن يعلن أن موقفه مبدئي، ويقوم على دعمه المطلق لحق الشعب الفلسطيني في رفض الاحتلال، وفي سنده القديم للقضية الفلسطينية، من دون أن يفترض جزافاً أن بني إسرائيل قادمون لاحتلالنا، وزاحفون نحونا لاستعمار أراضينا.
* معارضة الحزب الشيوعي لكل شيء اتسعت لتصل درجة معارضة البيانات الصادرة عن الحزب الشيوعي نفسه، بإنكارها، وتأكيد أنها لا تمثله، ولا تعبر عن مواقفه، حتى بعد نشرها في الموقع الرسمي للحزب، وفي صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي.
* هذا التكلس المزمن مردٌّه تكلس كابينة القيادة، التي نادراً ما تتاح فيها أي فرصة للأجيال الجديدة، كي تجدد شباب الحزب الهرِم، وترفده بدماءٍ حارةٍ، تمنحه شيئاً من الحيوية والديناميكية اللازمة للعمل السياسي، وتنشط شرايينه المتصلبة، وتعالج مواقفه المتحجرة، وتبث فيه شيئاً من الحيوية المفقودة.
* شعاره الدائم: (أنا أعارض.. إذن أنا موجود)!
مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي