لا تأتي فُرادى
* هل ثار الناس على حُكِم الإنقاذِ إلا بحثاً عن حياةٍ أفضل، وواقعٍ أجمل؟
* تنطبق على الأذى الذي يتعرضُ له فقراء بلادي حالياً مقُولة (المصائب لا تأتي فُرادى)، فها هي وسائلُ الإعلامِ تنشُرُ تسريباتٍ مُفادها أن الحكومةَ عَزمتْ على تحريرِ أسعارِ الدواء، بعد أن فَرغتْ من تحريرِ أسعارِ الخُبزِ والوقود.
* عليه لا نستبعدَ أن يخرُج إلينا وزير الصِحَّة المُكلَّف بعد أيامٍ مِن الآن، لِيعُلن اعتماد سِعرين لكلِ دواءٍ، وتحديد صيدلياتٍ بعينها لبيع الدواء (التجاري)، وأخرى لبيع (المُحرَّر)، مثلما فعل نظيره المُكلَّف بوزارةِ الطاقةِ، في معرِض إعلانهِ لقرارِ رفعِ الدعمِ عن الوقود.
* من حق الناس أن يَتطَّيروا من ظهورِ أي مسؤولٍ في الحكومة الانتقالية على وسائل الإعلام، لأن حُكَّام بلادي لا ينطقون إلا بما يُنكِّد حياةَ الناسِ، ولا يفعلون إلا يحَمِل الوجعَ وعظيم البلاء ووفرة الشقاء للمسحوقين.
* ليس فيهم من يُخفِّف ويُيسِّر، فكل قرارتهم تُضيِّق وتُعسِّر.
* إذا رفعت الحكومة غطاءها عن الدواء، وأقدمت على تلك الخُطوة الرَعناء البلهاء الحمقاء ستكون قد ألقت بآخر التزاماتها تجاه مواطنيها خلف ظهرها، وأشاحت بِوجهها عن فُقراءٍ رفعت سياسةُ التحرير نسبتٓهم إلى ما يُقارب التسعين في المائة، وسترتفعُ أسعار الأدوية بنسبةِ (300%) أو أكثر، مثلما ارتفعت أسعار البنزين بنسبة (428%)، وأسعار الجازولين بنسبة (460%)!
* الزيادة ﺍﻟﻬﺎئِلة على أسعار الأدوية ستكونُ حتميةً، حال إقدامِ الحُكومة على تحريك سعر دولار الدواء المدعوم من (18) إلى (55) جنيهاً.
* هكذا تتوالى الضربات المُوجعة على نافُوخ الغلابة بتوالي قرارات تحرير السِلع الاستراتيجية، لتُلهب ظهورَ الناسِ بسياط الغلاء والفقر والمعاناة والتضخم، وتحيل الحياةَ إلى جحيمٍ لا يُطاق، وقد شاهدنا كيف طفرت تعرِفة المواصلات وتصاعدت أسعار معظم السِلع في اليومِ نفسه الذي أعلنت فيه الحكومة تحرير الوقود، لينتشر التذمُّر، وتعِمُ الشَكوى، وتتبخَّر فرحة الموظفين بزيادات المرتبات، التي جعلت وزارة المالية تحصر جُل همَّها وغالبَ سعيها في تغطية البند الأول!
* المُحزن حقاً أن قسوة الحكومة على مواطنيها لم تتزامن مع تطبيق أي برامج فعَّالة للعون الاجتماعي، تستهدف دعم الفقراء، ولم تتصل بتطبيق سياسة تقشفٍ حكوميٍ، تُناسب ظروف المرحلة، ويتم بموجبها تقليص معدلات الصرف العام، وتقليل الإنفاق على مكونات السلطة الانتقالية.
* من فرضوا على شعبهم الفقيرِ المُعدمِ أن يشتري قطعة الخبز التجاري بعشرةِ جنيهاتٍ، وقطعة الخبز غير المدعوم بثلاثين جنيهاً، ورفعوا سعر جالون البنزين إلى (540) جنيهاً، وجالون الجاز إلى (481)، ويُريدون مُضاعفة أسعار الأدوية ثلاث مرات ما زالوا يمتطون الفواره المليارية، من طراز (اللكزس والأوباما والإنفنيتي)، ويتمتع كل واحد منهم بعدة سياراتٍ إضافيةً، وضيافةٍ مُكلفة، وسكنٍ فاخرٍ يتطلب تجهيزه مليارات الجنيهات، ويرغبون في اقتناء المزيد من الفوارهِ الغالية بتريليونات الجنيهات.
* من أثقلوا كاهل الشعب المُعدم بالصرفِ على أحدَ عشرَ رئيساً للبلاد في مجلس السيادة سيُضيفون إليهم ثلاثة آخرين، ينالُ كلُّ واحدٍ منهم ملياراً ونصف المليار “بالقديم” نثريةً شهريةً (في الحد الأدنى)، كي تُصبحَ عُرضةً للسرقة من داخل القصر الجمهوري، مثلما حدث لنثريةِ عضو مجلس السيادة عائشة موسى.
* من استكثروا على الشعبِ دعمَ خُبزه ووقوده لا يصونون المال العام من النهبِ، ولا يحيلون من يهدرونه إلى المحاكم، مثلما حدث مع المُتورطين في فضيحةِ الفاخر، وخطيئةِ سيَّارات السيادي، وفسادِ البنك الزِراعي، الذي اشترى الأسمدة والخيش والمبيدات بملايين الدولارات، وبعروضِ أسعارٍ غريبةٍ ومريبةٍ، تمتد ثلاثة أيام عمل لا أكثر!
* يُضيِّقون على شعبهم ويُوسِعون على أنفسهم، غير آبهين بمعاناة الناس، وبالآثار الخطيرة، والتداعيات المؤثرةِ التي ستجرُّها سياستهم المُوغلة في الغِلظةِ على فقراءِ البلاد.
* سيُحكِمُ الفقرُ والجوعُ الوثاق والخِناق على رقابِ الناس أكثر، وسَتُهدِّد سياسة رفع الدعم السِلم الاجتماعي، لتنتشر الجريمةُ تبعاً لتفشًِي الفَاقة والإملاق، وستتكاثرُ حالات الطلاق، وتتضخَّم ظاهرة تسرُّب الأطفالِ من المدارس، عطفاً على عجز ذَويهم عن تَحمِّلِ كُلفة إفطارهم ومواصلاتهم وبقية مُستلزماتهم، وسَيشيعُ السخط أكثر، ولا نستبعدَ أن تتجدَّد الثورةُ بغضبة جياعٍ ضاريةً، تُساوي اللاحقين بالسابقين، لأنهم لم يتعظوا بهم، ولم يتمعَّنوا مصيرهم، ولم يرأفوا بشعبهم، ولم يُقدِّموا له إلا الشقاء والبلاء والعنت.
* يريدون (التوهط) في كراسي الحكم، والتقلب في نعيم المناصب، ليحكموا البلاد، من دون أن يكون لهم أدنى التزام على مواطنيها.. ألا بئس ما يفعلون.
مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي