حين يمرض الإمام
اطمأننت ولله الحمد قبيل كتابة هذه السطور على أن صحة الإمام السيد الصادق المهدي في تقدم مضطرد، وأن لياقته البدنية ونشاطه الجسماني كما كان عليه قبيل شعوره بالإعياء الذي أدى لاكتشاف إصابته بالكوفيد19 بعد إخضاعه للفحص حسب بيان الأسرة أول امس، أسأل الله أن يكمل له الشفاء وأن يتم عليه الصحة وأن يلبسه ثوب العافية .
مباحث عديدة في الفقه والأثر تثبت وتؤكد أن المرض عند المؤمنين وإن كان ظاهره سوءاً إلا أن باطنه رحمة وتداعياته خير، إن كان من باب الصحة حين يستدعي الجسم مقاوماته ومناعته او يجدد خلاياه ويطرح سمومه، او باب كسب الثواب وكفارة السيئات وليس المرض فحسب بل إن كل ما يصيب الناس على شاكلته ـ مصداقاً لقول النبي المنصور عليه الصلاة والسلام (ما يصيب المؤمن من وَصب، ولا نصب، ولا سقَم، ولا حزن حتى الهمّ يهمه، إلا كفر الله به من سيئاته).
عادة ما يصاحب تعرض الرموز والشخصيات والقادة ونجوم المجتمع والفن والرياضة للمرض او لأي سوء أصداء إعلامية ومجتمعية يكون حجمها ووقعها بقدر أثر وتأثير هذه الشخصية او ذاك النجم في مجتمعه او فضائه او محيطه، ووفق الوعي واستقامة الفطرة وسلامة النفوس من الأدران تأتي الأصداء والانعكاسات معبرة في حالة المرض مثلا: انه ابتلاء يصيب اي إنسان كونه إنسانا كمركب فسيولوجي ونفسي وروحي – إن صح تعبيري. ولا علاقة لذلك برأي ذلك الشخص الإنسان او افكاره او توجهه او رؤاه، لذلك تنساب مشاعر التآزر والتضامن والحب وتنداح الدعوات بالشفاء العاجل، وإن طفحت مشاعر الشماتة والتشفي او تمني السوء حينها يجب أن نوقن بأن اختلاط حابل جهل العقول بنابل أدران النفوس هو الذي انتج هذه المشاعر المشوهة .
السيد الراشد، أو كما يحب ان يطلق الصديق الناشط الإعلامي حسين ملاسي هذا الوصف عليه – الإمام الصادق المهدي – هو شخصية محورية في الحياة السودانية منذ عقود مضت أثرى كل مناحيها وجنباتها الفكرية والثقافية والسياسية والتنفيذية إضافة إلى شبكة علاقاته الاجتماعية الداخلية والعامة الخارجية، وطبيعي أن يكون الإمام على المستوى العام شخصية مثيرة للجدل بطبيعة وجود حقيقة الاختلاف وتباين الرؤى والأطروحات، ولكن ذلك لا يقدح في مميزاته او ينفي عنه تميزه في كثير من المناحي ، ففي صعيد الطرح الفكري الذي يحتد فيه التباين هو صاحب راية وتبنٍّ دائم لمقولة الإمام الشافعي التي ظل يرددها دوما (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) وبذلك ينفي عنه غلو الفكر وتعسف الرأي. وفي صعيد السياسة تدلل سيرته على عقد التحالفات مع الموازين والتفاهمات والمعاهدات مع المخالفين على المرونة في التعاطي والممارسة.. وفي سعيه لإقرار المبادئ المشتركة كانت دعواته المستمرة للتسامح والتصالح فهو الذي انتشرت على لسانه في هذا الزمان حكمة السيد عبد الرحمن المهدي (من فش غبينته خرب مدينته) وما زالت دعواه لإقامة القسط بموازينه وإقرار العدال بمؤسساته تصارع كل رغبات التجريم السهل والإنتقام المتلون، وعلى صعيد الانفتاح على الجمع الوطني والقومي فتتزاحم المواقف والمؤشرات الدالة.
حين يصيب المرض رمزاً بقامة الإمام الصادق المهدي، فطبيعي أن تتردد الأصداء وتكثر التفاعلات، فرغم الضئيل الشاذ عن الفطرة والأخلاق التي استغلت فضاء الأسافير المفتوح لنشر سهل الكلام ومشوه المشاعر و (طق الحنك) البائس، احتشدت مشاعر النبل وتكاثرت مواقف المؤازرة المعنوية، وارتفعت أكف الضراعة للمولي القدير بأن يُذهب البأس، وفاض حب المحبين، ولم يقتصر الأمر على المعنوي فقط. فقد علمت بحكم الاهتمام والقرب والجيرة أن إمكانيات كبيرة وضعت بين يدي الإمام والأسرة لتقديم المساعدة وتسهيل علاجه إن كان داخليا او خارجيا، فعلى سبيل المثال: تسارع رئيس مجلس السيادة بالتوجيه، بعد أن غرد متضامنا ومتمنيا الشفاء، بإصدار توجيهاته بوضع الإمكانيات الرئاسية المطلوبة لتطبيب الإمام، كما جاء الاهتمام الخارجي بشخصية الإمام مثل استعداد الشقيقة مصر للإخلاء الطبي متى ما طلب، وغير ذلك من الأمثلة التي تجسد حالة التأهب النبيل .
لا أروي في هذه (الرواية) غير الطبيعي والمأمول، والمجبول عليه مجتمعنا وشعبنا، وما يجب عليه أن يكون واقعنا مهما اختلفت الآراء – بصحة – او تباينت الآراء الهادفة لاستقرار البلاد ورقيها، هي وقفة وحصة جديدة من (حصص الوطن) أوجدها مرض الإمام – شفاه الله – وإلى الملتقى.
مجدي عبد العزيز – صحيفة السوداني