شاوِر وخالِف
من حق الناس أن يتساءلوا، لماذا أقدمت قوى الحرية والتغيير على تكوين لجنةٍ اقتصاديةٍ، تضم عدداً مقدَّراً من الأكاديميين، والخبراء البارزين، والاقتصاديين المرموقين، طالما أنها لا ترغب في خدماتهم، ولا تستمع إلى استشاراتهم، ولا تقيم وزناً لدراساتهم وأرقامهم وتوصياتهم؟
* البيان الخطير الذي أصدرته اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير يوم أمس الأول يدل على أن الحكومة تعاملت مع اللجنة بطريقة (شاوِرها وخالِفها)، بدليل أنها لم تُلقِ بالاً للبدائل الموضوعية، والحلول الإسعافية، والتوصيات المسنودة بالأرقام، التي قدمتها اللجنة، كي تجنِّب الحكومة الوقوع في مزالق رفع الدعم، وتقِي المواطنين التبعات الخطيرة والمريرة لتطبيق سياسة التحرير الاقتصادي كيفما اتفق.
* بذلت اللجنة جُهداً مقدَّراً، وحرصت على جمع الأرقام الحقيقية للإيرادات والمصروفات من مصادرها الرسمية، ودرستها بدقّة، في اجتماعاتٍ مشتركة، ضمت مسؤولين من وزارة المالية، وبنك السودان المركزي، ومصلحة الضرائب، وشرطة الجمارك، ووزارة الطاقة والتعدين، ووزارة الزراعة وغيرها؛ وتوصلت إلى مقترحاتٍ موضوعية، وبدائل مقنعة، من أبرزها تخفيض معدل الصرف الحكومي للأشهر الثلاثة المتبقية من العام الحالي، بما قيمته (14) مليار جنيه، مع زيادة الإيرادات بما يفوق الثلاثين ملياراً.
* أكدت خُلاصة عمل اللجنة أن تنفيذ تلك التوصيات سيخفِّض العجز إلى حد السلامة، المقدَّر بتسعة عشر مليار جنيه.
* بعد أن فرغت اللجنة من أعمالها، ورفعت توصياتها، وجهزت نفسها لاجتماعٍ يجمعها برئيس الوزراء وأركان حربه في الجهاز التنفيذي وقيادات قوى الحرية والتغيير، للتفاكر حول المقترحات، وبحث كيفية تنفيذها، لتجنب خيار رفع الدعم، فوجئت بإحالة توصياتها إلى أقرب سلة للمهملات، وبصدور قرار تحرير أسعار الوقود، بتجاوزٍ محير لمخرجات ونتائج عمل اللجنة، وبتخطٍ غريب للتوصيات الصادرة من المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد قبل فترةٍ وجيزة.
* الطبيعي أن تحرص الحكومة مُمثلةً في رئاسة الوزراء ووزارة المالية وبقية وزارات القطاع الاقتصادي على بحث كل الخيارات الممكنة، وأن تسعى جهد طاقتها إلى التخفيف على مواطنيها، وأن تسلك كل الطرق، وتستنفد كل البدائل المتاحة، قبل أن تُلقي أعباءً إضافية على كاهل شعبٍ يعاني الأمرين من ويلات الفقر والغلاء والتضخم.
* قسوة قلب الحكومة الانتقالية على مواطنيها استبانت في إصرار وزيرة المالية على إلزام الشركات المستوردة للنفط بتسديد قيمة ضريبة القيمة المضافة البالغة (17%) على واردات البنزين.
* تسبب ذلك القرار في رفع سعر الجالون الحُر إلى (540) جنيهاً، ولو تم إعفاء الشركات من تلك الضريبة لانخفض السعر إلى (460).
* أسوأ من ذلك أن الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء ووزارة المالية ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وبقية المؤسسات الرسمية لم تهتم مطلقاً بتنفيذ أي برامج لإعانة الفقراء، وتخفيف وطأة القرارات الصادمة على الطبقات الفقيرة، وأصحاب الدعم المحدود.
* لم تعبأ بهم، ولم تهتم بمعاناتهم، ولم تجتهد بأي نهجٍ في التخفيف عليهم، ولم تكلف نفسها حتى عناء الاستماع إلى البدائل الموضوعية، والمقترحات الجيدة التي وضعتها لجنةٌ اقتصادية، خرجت من رحم قُوى الحرية والتغيير.
* ها هي الحكومة تغُذٌّ الخطى في اتجاه رفع الدعم عن الدواء، مع تمام علمها بأن مواطنيها يعانون الأمرين من ارتفاع قيمة الأدوية، ومن انعدام بعضها، وأن العجز عن اقتناء الدواء يعني الحكم على من يحتاجونه بالإعدام.
* ارأفوا بأهلكم، وكفوا عن معاقبة شعبٍ دفع أبناؤه ثمناً باهظاً كي يغير واقعه إلى الأفضل، ويتمتع بأبسط مقومات العيش الكريم، وفوجئ بواقعٍ أوفر إيلاماً، وأشد وجعاً من الذي ثار عليه.
* الجوعى في بلادنا يئنون، والفقراء يعانون، والمرضى يتألمون، ومرارة الحاجة تتمدد بينهم كل صباح، وإذا لم يجدوا من يعبأ بهم، ويخفف معاناتهم فسيخرجون إلى الشوارع مجدداً، كي يلحقوكم بمن سبقوكم.. ولا ساعة مندم.
مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي