أحمد يوسف التاي يكتب: الثراء الحرام
قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه من أفضل القوانين على الإطلاق في مجال صيانة المال العام وحمايته من السرقة، فالقانون يُلزم كل مسؤول تقلد منصباً دستورياً أن يكشف عن كل ممتلكاته قبل المنصب الحكومي، وممتلكاته بعد الاستقالة من المنصب… قانون الثراء في تقديري يعتبر من أهم القوانين التي تصلح لمحاربة ظاهرة استغلال النفوذ والانتفاع من السلطة والرضاعة من ثديها دون وجه حق، فهو قانون يقطع السبيل للثراء الحرام والمشبوه…
في عهد نظام الإنقاذ المخلوع أُفرغ قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه من مضمونه وأهدافه، وخلعوا أسنانه ببقاء مادة التحلل والتي شرعنوا لها وجعلوها من الدين، ولا شك أن أهمية هذا القانون تأتي في السؤال الشرعي الصادم الذي يطرحه القانون لكل من أثرى ثراءً حراماً (من أين لك هذا؟)، فهو أفضل قانون للمحافظة على المال العام وحمايته وذلك لما اشتمل عليه من (إقرار الذمة) للمسؤولين، وتدوين لممتلكاتهم لتكون معلومة لكل الناس. لكن للأسف الشديد هناك تباطؤ لافت للنظر نحو الإقبال على كشف الممتلكات وقد حدث ذلك في عهد الرئيس المخلوع واستمر هذا التباطؤ حتى في عهد حكومة الثورة، ومع ذلك هناك قلة قليلة جداً من قاموا بإقرار الذمة وملأوا الاستمارة التي تبين ما يملكه المسؤول.. في رأيي إذا تم تفعيل هذا القانون وتطبيقه على النحو الأفضل لن نحتاج إلى مفوضية لمكافحة الفساد، ولا آلية جديدة، ولا محاكم خاصة بقضايا الفساد… فقط طبقوا هذا القانون كما ينبغي، وطبقوا مبدأ السؤال المشروع :»من أين لك هذا» وليستوي في ذلك الكبير والصغير والغفير والمدير…
لقد كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يحرص على إحصاء مال الولاة قبل التعيين، ليحاسبهم على ما زادوه بعد الولاية، إن تجاوز حد الزيادة المعقولة ويرفض حجة من يتعلل بتجارة! قائلاً له: (بعثناكم ولاة ولم نبعثكم تجاراً) ويلح دائماً على أصحابه قائلاً: (دلوني على رجل أستعمله) ويسألوه: ما شرطك فيه؟ ويقول لهم: (إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم)…
كما كان يأمر الولاة بعد انتهاء ولاياتهم أن يعودوا إلى دورهم نهاراً لا ليلاً ليقف الجميع على ما عادوا به.
حين انتهى ابناه عبدالله وعبيدالله من خدمتهما العسكرية بالعراق، وهما بالرجوع إلى المدينة أراد والي البصرة أبو موسى الأشعري إكرام وفادتهما قائلاً: لو أقدر على أمر أنفعكم به؟ ثم عرض عليهما أن يحملا مال الله إلى أبيهما، ونصحهما بأن يشتريا به متاعاً من العراق يبيعانه بالمدينة، ثم يؤديان رأس المال لبيت المال وينتفعان بالربح! وعلم عمر (رضي الله عنه) بالسالفة وسألهما: أكل الجيش أسلفه؟ ثم أمرهما أن يؤديا المال وربحه لبيت مال المسلمين!…أظن أن هذه الواقعة وحدها مرجعية مهمة للغاية لمحاسبة ومحاكمة كل الذين أثروا في هذا العهد المُباد وهذا العهد أيضاً، ومساءلتهم عن مصدر ثرائهم، شريطة أن يتم ذلك بصورة شاملة لا انتقاء فيها ولا تصفية حسابات…. اللهم هذا قسمي فيما املك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.